من هو صانع الفرق في النظام التعليمي ؟
بسبب انماط التدريس المتكررة،نغفل عن رؤية هذه المهنة بصورتها الحقيقية،كيف يمكن للتدريس ان يكون فنناً؟وكيف قد يكون المُدرس سبباً لأنطلاق شخصياتٍ عظيمة؟
من هو صانع الفرق في النظام التعليمي ؟
جميعنا مررنا بتلك اللحظة حين تمكنا من شرح فكرة علمية لأحدهم وايصالها بنجاح،وان كنت متحدثًا جيدًا لكنت بالتأكيد فكرت ان التدريس،هو شيء تستطيع القيام به بسهولة.
يأخذ التدريس طريقًا سهلًا في مراكزنا التعليمية،اعتمادًا على المنهج وارشادات الهيئات العليا،التدريس هو اتباع قوانين مكتوبة مع القليل من الاعتماد على طريقة المُدرس،في بعض الاحيان،يمكن ان يكون المُدرس سيئًا في عمله بسبب القيود المفروضة عليه،او فهمه الخاطئ لمتطلبات التدريس واهدافها قبل ان يقرر هذه المهنة لنفسه.
ان المُدرس في المعنى الحقيقي لمهنته،لا يدرس منهجًا ثابتًا وحسب،لأن الشخصية التي يظهرها في اسلوبه وانفعالاته أمام الجيل الذي امامه هو الهام بحد ذاته،يمكن لبساطته وطريقة تعامله مع المشاكل ومع مشاعر الشباب،ان يكون درسًا عمليًا يُعرض امامهم ويزرع في دواخلهم الوعي ليفهموا بعضهم اكثر،وليروا الحياة بطريقة مختلفة.
ان التعليم في انحاء العالم،في مواضيعه واساليبه متشعب ويخضع لسيطرة سياسية،هو تلقين اكثر من كونه تعليم كما هو المتعارف عليه،قد لا يمكن للمُدرس ان يغير المادة التدريسية لتكون ذات نفع اكثر لطلابه،لكنه بأمكانه المراوغة بأساليبه ليجعل عملية التلقين تلك اسهل بكثير، ان الطلبة مجبرون على المواد الدراسية الغير مفيدة لبناء مستقبلهم،لذلك فالمُدرس الجيد هو الواعي على هذه الفكرة،ويعمل على تسهيل المادة ليضمن عبور طلابه،المُدرس الجيد هو الذي لا يصعب الامور.
ان المُدرس هو فيلسوف وخبير نفسي،يجيد انتقاء كلماته ووضع حدوده مع الفئة العمرية التي يدرسها،يفهم انهم في مرحلة قد خاض صعوباتها،مع مراعاة تطور المحيط الذي اثر بالتأكيد على جيلهم،وجعل تحدياتهم مختلفة عن تحديات جيله في تلك الفئة العمرية،لايقارن مصاعب حياته بخاصتهم،ولا يعاملهم كالبالغين،يعلم ان لكل منهم اتعابه وآلامه،وإنه ليس جيل طائشًا لانه يرغب في ذلك،بل لانهم لن يصلوا الى النضج ان لم يكونوا كذلك.
كتب “بيل جيتس”، أغنى رجل في العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت، مقالًا بعنوان “المُعلمة التى غيرت حياتي”، على مدونته الرسمية، أشاد فيه بمعلمته ” بلانش كافيير”، والتي لعبت دورًا هامًا فى تكوين شخصيته وما وصل إليه الآن،وتابع :“عندما التقيت للمرة الأولى بالسيدة كافيير، كانت مُدرسة أنيقة و جذابة تعمل بالمكتبة في المدرسة الابتدائية بمدينة سياتل، وكنت وقتها في الصف الرابع الابتدائي وخجول جدًا ،وكنت أواجه بعض المشاكل بسبب ما كنت اعانيه من المرض الذي يطلق عليه الخبراء خلل الكتابة، وكان خط يدى فوضوي و هزلي”.
وقال :” أخذتني المعلمة كافيير تحت جناحها، وساعدت فى جعلي صبيًا مجتهدًا معروف بحبه للقراءة اكثر من اي شيء آخر، تقاسمت معي حبها للقراءة وتعرفت على المجالات التي أحب القراءة بها، وقدمت لى مجموعة من الكتب العظيمة فى مجال الخيال العلمي و بعض السير الذاتية لعلماء، هذا ما ساعد فى ما أنا عليه الآن و ساعد فى حصولي على كم هائل من المعلومات وتجارب الآخرين، وكانت هي مرجعي الأول فى العديد من قراراتي بعد ذلك”.
وايضاً،كان “ليس براون”وهو أحد أهم المحاضرين التحفيزيين ورواد التنمية البشرية في العالم، في بداياته طالبًا متعثرًا في دراسته منذ الصغر، حتى وصل الأمر إلى أنه عرف كطالب “متخلف عقليًا قابل للتعلم” بناءً على تصنيف خبراء التقييم الطلابي بالمدرسة،وتم إنزاله خلال سنوات الدراسة من الصف السادس إلى الصف الخامس.
حياة“لس براون”اخذت مسارًا آخر بسبب تلك اللحظة الفارقة على يد معلمه بالصف، حينما طلب منه أثناء حصة دراسية القيام بحل معادلة كتبها على السبورة، فرفض “لس” وأخبره بأنه لا يستطيع، فجاء رد المعلم محمسًا إياه “بالطبع تقدر، أيها الفتى تعال إلى هنا وقم بحل هذه المعادلة من أجلي”.
جاء رد “براون” صادمًا حينما قال لمعلمه: “لا أستطيع، فأنا متخلف عقليًا قابل للتعلم”، ووسط انفجار طلاب الصف بالضحك بعد تلك الكلمات، نهض المعلم من مقعده ونظر إلى “ليس” بجدية مخاطبًا إياه “لا تقل هذا مجددًا أبدًا،رأي الآخرين فيك لا يجب أن يكون واقعك”.
“ليس” الآن أصبح أحد أعظم محاضري التنمية البشرية وتحفيز الذات في العالم، ويرجع الفضل لكلمات معلمه المؤثرة، تلك الكلمات التي أيقظت بداخله قوى لم يكن يعلم يومًا أنه يملكها.
من السهل عليك ان تميز المُدرس الذي اختار مهنته عن وعي بمكنوناتها من الذي دخل عالم التدريس لأسباب اخرى أيًا كانت،فواحد يفرض احترامه بهيمنة وسيطرة وهو بذلك يختار الطريق الاسهل،ليكون مُدرسًا مكروهًا في نهاية المطاف،والاخر يصقل مهاراته وشخصيته ليكون خفيفًا صديقًا للطلاب محترمًا وناجحًا في مهنته.
ان العلاقة بين المُدرس والطالب هي علاقة نفسية،ببساطة ان كسب حب الطلاب هو الطريق لكسبهم في الدراسة،تقديم المادة الدراسية بمنهجية بحتة هو كأن تكون منسيًا وهامشيًا في مجال عملك،ولكن التأثير في الشباب ومساعدتهم ليكونوا افضل نسخة من انفسهم،هو ما يعرف بالمُدرس او المعلم،هو انسان مثلنا جميعًا ،ولكنه في كل صباح يرتدي به ثيابه للعمل،يرتدي معها كل ماعنده من طاقة وحب لما يقدمه،لانه يعلم ان تلك العقول التي هو ذاهب ليلهمها،ستتذكره مدى الحياة.
المعلم المتواضع يخبرنا , والجيد يشرح لنا , والمتميز يبرهن لنا , أما المعلم العظيم فهو الذي يلهمنا.
-وليام آرثر وارد
الكاتب / ام البنين
التدقيق والتحرير / مريم عقيل
المصدر؛
4 Inspiring Stories of How Great Teachers Changed Someone’s Life