العنف الأسري بين القتل والانتحار
العنف الأسري جريمة، وبالعادة يسبب القتل او الانتحار للضحية بسبب أهمال الجهات الحكومية والاجتماعية، ولكن لماذا يرفضون تشريع قانون العنف الأسري؟
العنف الأسري، بين القتل والانتحار
أفادت مصادر أعلامية يوم السبت 29 مايو/أيار، بانتحار فتاة مراهقة في مدينة ابو غريب التابعة للعاصمة بغداد. ومقتل امرأة بنيران مجهولة في مدينة بوب الشام.
مسلسل العنف الأسري في العراق قائم إلى الآن، والحالات التي تظهر في الإعلام والمسجلة ما هي الا نسبة ضئيلة جداً مقارنة بالأعداد الحقيقية مكممة الأفواه بالخوف واعراف المجتمع الفاشي. ذكرت وزارة الداخلية العراقية إنها سجلت أكثر من 15 ألف حالة عنف منزلي للعام 2021. ولا يمتلك العراق “حتى الآن” قانونا للعنف الأسري، ويعتمد على مواد قانونية تسمح للزوج والأب بـ”تأديب” الأبناء أو الزوجة ضربا “مادام لم يتجاوز حدود الشرع الإسلامي”.
الأمر المتفق عليه داخل المجتمع العراقي، هو أن الكثير من الاناث ممن يتعرضن للعنف الأسري، لديهن الرغبة في الابلاغ عن العنف ولكن الكثير يمتنعن عن ذلك بسبب ضعف القانون الذي يعجز للتصدي لهذي الجرائم بذريعة انها “خلافات عائلة”.
في أبريل/ نيسان من العام الماضي، طالبت ممثلات المرأة العراقية في البرلمان والحكومة، في بيان مشترك، بالإسراع بسن قانون يجرم العنف الأسري، بعد استشراء الظاهرة مع فرض قيود في البلاد لاحتواء فيروس كورونا.
وجاءت المطالبة، آنذاك، بعد يوم واحد على وفاة “ملاك الزبيدي” التي أضرمت النار بجسدها في محافظة النجف، جرّاء تعرضها لعنف أسري من قبل زوجها وعائلته.
وفي المقابل تُواصل الجماعات الاسلامية حملاتها الرافضة لإقرار قانون العنف الأسري في العراق من خلال البرلمان، بحجة أنه “لا يخدم المجتمع المحافظ والمتدين في البلاد، ويدفع المرأة للتسلّط على الرجل، ويتدخل في شؤون تربية الأطفال”.
ويعدّ حزب الفضيلة الإسلامي التابع للمرجع محمد اليعقوبي، من أشرس المعارضين لإقرار القانون، لافتاً إلى أنه “استنساخ لتجارب غربية تُنقل إلى واقعنا الاجتماعي، ويغفل عن الأسس الأخلاقية التي تستند إليها مجتمعاتنا المسلمة”
ويعتبر زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، “قيس الخزعلي”، “أن القانون ليس من أولويات الشعب العراقي واصافاً إياه بـ”المشروع الذي سيفكك الأسرة العراقية وأنه محاولة لدس السم بالعسل من خلال ذكر عبارات فضفاضة ممكن أن تستخدم لضرب وتفكيك الأسرة العراقية والمجتمع العراقي” زاعما أن “بعض المواد والفقرات في قانون العنف الأسري تعتبر جريمة”.
يقول النائب والقيادي في الكتلة الشيعية “عمار طعمة”، إن مشروع قانون العنف الأسري يعارض ثوابت الإسلام والدستور العراقي، مدعيا ان “مشروع القانون يتضمن مضامين خطيرة تنذر بعواقب تخريبية تستهدف استقرار العائلة والمجتمع العراقي”.
أنظر ايضاً: البشرية بين الطفولة والعنف
ويرفض فقرة في القانون تتيح “للزوجة في حال سوء تفاهم وخلاف عائلي مع زوجها أن تذهب للشكوى والاستقرار في مركز الإيواء تحت رحمة الغرباء وابتزازهم، وعلى الزوج أن يبعث لها نفقتها وهي تعيش في مركز الإيواء بعيداً عن أولادها وأطفالها” قائلا “إنهم يريدون تمزيق الأسرة وتفكيك العائلة بهذه الأساليب والوسائل”
وأيضاً: “مشروع القانون يسلب حق تربية وتأديب الوالدين لأولادهم ويعتبره جريمة عنف أسري، ويجعل كل خلاف عائلي قابلا لتدخل القضاء”، منتقدا فكرة إيجاد مراكز إيواء لضحايا العنف الأسري، لأنهم سيكونون في أيدي غرباء لا يؤمن عليهم من مخاطر الإفساد والتوريط بمختلف سلوك الشذوذ والانحراف الأخلاقي.
قام ممثلو تلك الأحزاب الاسلامية، بدلاً من المصادقة على قانون مناهضة العنف الأسري، بإعادة طرح قانون تعديل حضانة الأطفال مادة رقم 57 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، حيث تنص هذه المادة من القانون على حق الأم في حضانة الطفل حتى سن العاشرة مع إمكانية التمديد إلى سن الخامسة عشرة. في حين أن التعديل المطروح حالياً في مجلس النواب ينص على تقليل فترة حضانة الأم للطفل إلى سن الـ7 سنوات، وثم نقلها إلى الأب. مما سيؤدي إلى وضع المرأة الراغبة بالطلاق بين خيارين صعبين، فإما البقاء في علاقة هي غير راغبة بها مع رجل معنف، أو فقدان حضانة أطفالها. وهذه الفقرة تقع ضمن فقرات قانون الأحوال الشخصية الجعفري “المعتمد على المذهب الجعفري الشيعي في أحكامه” والذي طرحه نواب حزب الفضيلة الإسلامي في عام 2014 حتى يستبدل به قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المدني.
ولو نجح “القانون الجعفري” في أن يمر آنذاك، لكان ذلك سيؤدي إلى أن تحتكم الأسرة العراقية في قضاياها، كلُّ أسرةٍ حسب أحكام طائفتها الشرعية، سيكون بمثابة حكم الإعدام بحق القضاء المدني. إلا أن القانون الجعفري خسر معركته مع المنظمات النسوية والحقوقية عام 2014، ولم يمر. وبالنتيجة أصبح من المعتاد بين فترة وأخرى، أن تحاول الأحزاب الدينية، عن طريق نوابها في البرلمان، تمرير تعديلات على بنود معينة في القانون المدني، لتتماشى مع ما جاء في “القانون الجعفري”.
الكاتب / محمد رحيم
التدقيق والتحرير / مريم عقيل