هل الكون مصمم خصيصًا للبشر؟
هل الكون مصمم خصيصًا للبشر ؟ ممكن ان يأتي هذا السؤال للجميع هل نحنُ وحدنا في الكون هل الكون صُمم فقط لنا وحدنا ، أكيد أن الكون عظيم الاتساع وأن حجم كوكبنا بالنسبة إليه هو مثل حبة رمل في صحراء شاسعة ما يجعل الإنسان كائناً ضئيلاً يعيش على سطح كوكب "مجهري" بمقياس الكون العملاق. كان العلم قد بدأ يتساءل عن دورنا في "صياغة" العالم من حولنا، وهل يساهم الوعي البشري في وجود الكون؟ ثم تطور السؤال ليصبح: هل يوجد هذا الكون إن لم نوجد نحن؟ أم أنه مخلوق لنا. هذا السؤال ليس فلسفياً ولا دينياً. إنه سؤال يطرحه علماء الفيزياء في كل العالم , لنتعرف على المزيد من خلال هذا المقال :
هل الكون مصمم خصيصًا للبشر؟
يحكي (دوغلاس آدامز) في كتابهُ (The Salmon of Doubt)
عن بركة ماء صغيرة تستيقظ ذات يوم وتفكر: «يا له من عالم مميز أجد نفسي فيه، إنه يناسبني تمامًا، كما لو كان قد صُنع خصيصًا من أجلي».
هذه الفكرة، التي تبدو مضحكة للوهلة الأولى، تحمل بداخلها منطقًا في رؤية العالم. البركة تستيقظ لتجد العالم مثاليًّا، مناسبًا تمامًا لحياتها كبركة صغيرة. ولأن هذه البركة طوَّرت وعيًا، في الرواية، يسمح لها برؤية ما حولها وتعيين مكانها في العالم، فإنها تنتقل إلى الفكرة التالية: هذا العالم كله مخصص من أجلي.
بنفس المنطق، لكن على صورة أكبر بكثير تشملنا نحن البشر لا برك المياه: لِمَ يوفر كوكب الأرض لنا ما نحتاجه لننجو؟ بل لِمَ يبدو أن الكون كله مخصص لما يتطلبه وجودنا بالضبط؟
في عدد يونيو 2002، نشرت مجلة ديسكفر Discover مقالاً لتيم فولجر تحت عنوان « هل يوجد الكون لو لم نكن ننظر اليه»، وهو عبارة عن محاورة ممتدة مع جون وييلر، الفيزيائي المشهور الذي قال عنه فولجر: «العالم والحالم، زميل آينشتاين ونيلز بوور، أستاذ كثير من رواد الفيزياء المعاصرين، والرجل الذي صك مصطلح «الثقوب السوداء»، كما أنه أحد منارات الفيزياء الأخيرة في القرن العشرين، وأحد أفراد جيل فكك أسرار ميكانيكا الكم ورسم الخطوط العريضة لأبرز أبحاث الفضاء والزمن».
دارت تلك المحاورة الممتدة بين فولجر ووييلر حول فكرة شغلت وييلر في آخر سني حياته؛ ألا وهي محاولته للتوصل لأفكار، على المستوى النظري، تستطيع فتح الباب أمام مزيد من الأفكار، التي بدورها قد تمكننا من التوصل لجواب عن سؤال: «لماذا/كيف وُجِدَ الكون؟». فبالرغم من أن وييلر من أحد رواد العلم الحديث ،إلا أن هذا لم يجعله يخشى التساؤل حول الغايات والتضمينات التي قد تحملها المبادئ العلمية ويلجأ العلم الحديث غالبًا إلى تجاهلها.
إنسان أيا إنسان ما أجهلك/ ما أتفهك في الكون وما أضألك/ شمس وقمر وسدوم وملايين نجوم/ وفاكرها يا موهوم مخلوقة لك/ عجبي! هكذا كتب شاعر العامية المصري الأشهر صلاح جاهين ساخراً من تصور الإنسان لأهمية دوره في الكون. ولكن يبدو أن جاهين على روعة شعره لم يكن على صواب تام في رؤيته للدور البشري في هذا الكون. فالعلم يتساءل عن دورنا في “صياغة” العالم من حولنا.
أكيد أن الكون عظيم الاتساع وأن حجم كوكبنا بالنسبة إليه هو مثل حبة رمل في صحراء شاسعة ما يجعل الإنسان كائناً ضئيلاً يعيش على سطح كوكب “مجهري” بمقياس الكون العملاق. ولكن قبل أن يكتب صلاح جاهين السطور المذكورة أعلاه بعشرات السنين، كان العلم قد بدأ يتساءل عن دورنا في “صياغة” العالم من حولنا، وهل يساهم الوعي البشري في “وجود الكون”؟ ثم تطور السؤال ليصبح: هل يوجد هذا الكون إن لم نوجد نحن؟ أم أنه مخلوق لنا. هذا السؤال ليس فلسفياً ولا دينياً. إنه سؤال يطرحه علماء الفيزياء في كل العالم، ويبدو أن أحدهم قد وجد الإجابة.
يبدو العالم وكأنه يتشكل ذاتيا، جزءا تلو الآخر في هذا الصباح الرمادي والرطب على ساحل ولاية مين. فهنالك شجر الراتينج والصنوبر الأبيض الذي يكسو التلال وكأنه يُخلق لتوه في الضباب، مثله مثل ذلك اللسان الصخري الزاحف نحو البحر. كأن مجرد مشاهدة هذه الأشياء توجدها من عدم. وربما يكون هذا هو ما يحدث فعلا. بينما يتكشف هذا الخلق المبهم، يناقش أكثر سكان الجزيرة شهرة، مفهوما فيزيائيا لا زال يحيره منذ سبعة عقود. ذلك الشعور الباطني بأن الكون يبرز من سديم الاحتمالات وبأننا نعيش في عالم يكتسب وجوده بشكل جزئي من خلال مراقبتنا له.
يبدو الأمر جنونياً بالطبع. لكن ويلر بعد سبعة عقود من العمل العلمي يقول إن تلك ببساطة هي الحقيقة كما نعرفها الآن: وجودنا علمياً يؤثر في هذا الكون، حاضره ومستقبله وماضيه كذلك، وأن الكون حتماً سيختلف لو اختفى الجنس البشري. بل يمكن أن نستنتج أن الوعي البشري، إذا كان قادراً على أعادة تشكيل الحقائق الفيزيائية في هذا الكون، فربما كان غيابه يعني غياب الكون ذاته. يقول جون ويلر إن أقصى ما يمكننا قوله الآن هو إن هذا الكون “يبدو” كما لو كان موجوداً قبل وجودنا بعشرة مليارات سنة. أما إن كان موجوداً بالقطع قبل أن نَعِيَه أم لا، فهذا ما لا يمكن الجزم به.
الكاتب / قباء نزار عبد الحي
التدقيق والتحرير / محمد رحيم
مصادر: