رحلة البوسترات السينمائية في الوطن العربي

قبل ان تدخل لمشاهدة فيلم في السينما او على احدى تطبيقات الأفلام، البوستر يمثل واجهة الفيلم وهو اول ما ستقع عينك عليه، قد يشدك شكله وقد يُنفرك، فهل تسائلت يوماً كيف كانت البوسترات السينمائية سابقاً قبل ان تصل الى ما هي عليه اليوم؟

0

  تاريخ بوسترات الافلام

 

قبل ان تدخل لمشاهدة فيلم في السينما او على احد تطبيقات الأفلام، يمثل البوستر واجهة الفيلم وهو أول ما ستقع عينك عليه، قد يشدك شكله وقد يُنفرك، فهل تسائلت يوماً كيف كانت البوسترات السينمائية سابقاً قبل ان تصل الى ما هي عليه اليوم؟

كانت البوسترات اعمالاً فنية متكاملة، تطرح للسينما على يد رسامين وخطاطين يشكلون الحروف العربية لعنوان الفيلم بأنامل ماهرة بالتناغم مع الرسم، فيُنتج لنا عملاً يغذي البصر مُنجز بإتقان، موحد ومتناسق، قد وضع مجهوداً فنياً حقيقياً عليه حتى يظهر لنا في هذا الشكل المُبهر.

قد يثير اهتمامك فيشدك لفحص محتواه، يُعرفك على عنوان الفيلم الذي عادةً ما يكون مكتوباً بخط عريض ثم تنتقل الى ابطال الفيلم و اجواءه و حقبته الزمنية.

اندثر البوستر الفني تدريجياً مع اندثار السينما، وحل محله البوستر العادي الذي يجمع صور وعنوان الفيلم فيتم إنجازه خلال ساعات بإستخدام  الفوتوشوب،  الجهد المبذول في السابق كان أكبر لأن البوستر كان الإعلان الوحيد للفيلم، أما الآن العديد من الوسائل تروج للفيلم قبل وأثناء عرضه.

 

بعد الاندثار ظهر الكثير من الباحثين والمهتمين بتوثيق وجمع وارشفة هذا التراث الفني السينمائي، الذي يمثل نافذة لثقافة الماضي.

ففي العراق, الجهد الوحيد الذي بُذل في هذا المجال كان على يد الناقد والمؤرخ السينمائي (مهدي عباس) الذي جمع بوسترات من الافلام العراقية في كتاب عنوانه ” بوسترات السينما العراقية 1946 – 2018 “.

ويقول في مقال له ” أن بدايات البوسترات السينمائية العراقية كانت تُصنع في القاهرة او في بيروت، وان اول بوستر لفيلم عراقي صنع في العراق كان بوستر فلم (الظامئون) الذي أخرجه محمد شكري جميل عام 1972 وفيما بعد بدأ العراقيون بتصميم بوسترات افلامهم “.

ولايمكنني الحديث عن ارشفة البوسترات القديمة دون ذكر City lights Posters الذي تم تأسيسه على يد خبير بوسترات الافلام العربية محمد دياب، حيثُ أن الجهود التي بُذلت لإعادة إحياء هذه الفنون تجعله الخيار الأول للمهتمين بإكتشاف البوسترات العربية  .

**  citylightsposters **

١٩٦٥ للفنان حلمي الطوني


ولد مشروع ( ملصقات أضواء المدينة )  لتسليط الضوء على هذه الجواهر الثمينة من التراث المرئي العربي من القرن العشرين، فهو يسعى لتعريف هذه البوسترات والقصة وراء كل منها، إضافة الى إتاحة الفرصة للمهتمين باقتنائها أينما كانوا.

 

ويقول دياب اجابةً على سؤال “كيف كان يصنع بوستر الفيلم؟”

” أنه في الفترة ما بين العشرينيات والثمانينات، طُبعت معظم الملصقات المصرية باستخدام الطباعة الحجرية، التي تعرف بـ الليثوغرافيا. في البداية يصمم الفنان الملصق ويعمل الخطاط على النصوص التي يتضمنها هذا الملصق. في مرحلة لاحقة، يقوم المنفذ بإعداد قوالب للطباعة باستخدام ألواح الزنك، ويقوم بحّف كل لوح للون مختلف، ويُعرف بفصل الألوان. ثم يقوم القائمون على طباعة الملصق في المطبعة بطلاء كل طبقة بلون باستخدام لوح الزنك المُعدّ لها، وهذه خطوة تحتاج دقة وإلا ظهر الملصق النهائي مهتزاً. هذه العملية مضنية وتتطلب فريقاً من الفنانين والحرفيين. في الغرب، استُبدلت طريقة الطباعة هذه بآلات طباعة الأوفست في الخمسينيات والستينيات. إلا أن الطباعة التقليدية استمرت في مصر حتى الثمانينيات. الملصقات المطبوعة ليثوغرافياً دائماً تبدو ألوانها أزهى وأكثر حيوية، كما لو كانت لوحة. ”

 

ويجيب على تساؤلي حول كيف كانت بداية البوسترات العربية  أنها ” بدأت مع بداية إنتاج الأفلام السينمائية في الإسكندرية في مصر، وكان ذلك بشكل محدود في عشرينيات القرن العشرين، ثم بدأت بالازدياد في الثلاثينيات. في مرحلة البدايات، قام بالتصميم فنانو الدعايات في الإسكندرية، والذين انحدر العديد منهم من أصول أوروبية، لا سيما اليونانية. انتقلت بعد ذلك هذه الصناعة إلى القاهرة، مع تركز الإنتاج السينمائي هناك، وبرز جيل جديد من الفنانين الذين اختصوا بالملصق، معظمهم مصريون مع بعض الأجانب. ونظراً لتركز إنتاج الأفلام العربية في مصر طوال القرن العشرين، فإن فن تصميم وطباعة الملصق تركز في مصر. نجد في حالات قليلة ملصقات صُممت وطُبعت في لبنان وسوريا وبلدان عربية أخرى. ”

 

” البوسترات السينمائية فن شعبي فُقد مع التكنولوجيا” تتفق مع هذه المقولة؟

يجيب دياب  ” بالرغم من أن الملصقات الحديثة – وهنا أشير إلى الملصقات المصممة منذ منتصف التسعينيات – قد ورثت المكونات البصرية نفسها من الملصقات القديمة، إلا أن هناك اختلاف أساسي وهو أن الملصقات الحديثة استبدلت الرسم اليدوي بتصاميم تعتمد على الصور والتعديل الرقمي. لا يمكن اعتبار هذا التغيير سلبي ولا إيجابي، حيث أن الأدوات المتوفرة للمصممين اليوم تفوق تلك التي توفرت لأسلافهم. إلا أني أرى أن هناك بعض الانحدار بشكل عام في مستوى التصاميم الحديثة، فهي في الكثير من الأحيان تكون تصاميم سريعة أقل مما  ترتقي الى ان تكون قطعاً فنية منفردة كما هو الحال مع الملصقات القديمة ”

 

وفي الختام، يتحدث دياب عن كيف راودته فكرة البدء بمشروع ملصقات أضواء المدينة حيث يقول

” فُقدت الكثير من ملصقات وتذكارات الأفلام المصرية  والأمل في إعادة اكتشافها ضئيل. هذه الخسائر الثقافية ترافقت مع غياب مؤسسات ترعى أرشفة ودراسة وعرض المواد المتعلقة بالأفلام. بدأتُ بجمع الملصقات (التي تعرف كذلك بالأفيشات أو البوسترات) كهواية قبل أن أبدأ بتوثيقها والبحث في تاريخها والفنانين القائمين عليها. في البداية، كان تركيزي على الملصقات ذات القيمة الجمالية وتلك التي ترجع للأفلام الشهيرة، لكن هذه المعايير تغيرت مع الوقت، فقد أدركت أن العديد من الملصقات هامة ؛لأنها تسمح لنا بفهم الظواهر الاجتماعية والسياسية أو لأنها تساعدنا في فهم تطور الأسلوب الفني لأحد الفنانين أو منفذي الملصقات. ”

ربما لم تكن الملصقات مهمة في زمنها، ولهذا لم يفكر الكثيرون في الحفاظ عليها وباتت نادرة الآن، إلا أنها تمثل لنا مدخلاً لاستكشاف فصول ثقافية هامة من القرن العشرين، وفي الوقت ذاته تعتبر قطعاً فنية تستهوي عشاق السينما والفنون البصرية.

 

إقرأ أيضاً :
عندما استحوذت الأفلام الغنائية المصرية على شباك التذاكر

 

الكاتب / لبنى صفاء
التدقيق والتحرير / فرح منير 

 

 المصادر :

elaph.com

citylightsposters

Leave A Reply