شاعِر الثَورة والحُزن، مُظفر النَواب يُغادرنا.

ينشدُ اليوم شاعر الثورات والشجن "مظفر النواب" رحيلهُ، بعد صراع مرير مع المرض. كما يختزل صراعهُ مع المرض في كلماتهِ "مُتعَبٌ منيّ ولا أقوى على حملي"

0

شاعِر الثَورة والحُزن، مُظفر النَواب يُغادرنا

 

مظفر عبد المجيد النواب. ولد في بغداد عام (1934) لعائلة أرستقراطية من أصل هندي كانت تُقدر الفن والشِعر والموسيقى، وهذا ما جعلهُ يحمل اسمها “النواب” لأنها تسمية مهنية. وجاءت النيابة أي (نائب عن الحكم). إذ كانت عائلته في الماضي تحكم إحدى الولايات الهندية، وقاومت الاحتلال الإنكليزي. وهذا ما جعلها تُفنى إلى الخارج، ووقع الاختيار على العراق.

في أثناء دراسته للصف الثالث المتوسط، أكتشفَ أستاذهُ موهبته الفطرية في نُظم الشِعر. وبدأ في مرحلة الإعدادية بنشر بعض كتاباتهُ في المجلات الحائطية التي تُحرر في المدرسة والمنزل كنشاط منزلي من قِبَل طلاب المدرسة.

تعرضَ والدهُ الثري إلى هزة مالية عنيفة أدت إلى خسارته لقصرهِ التي كانت تُقام العديد من الاحتفالات الدينية والفنية في ردهاته طوال العام. رغم هذا، أكمل مظفر دراسته في كلية الآداب ببغداد رغم الظروف الاقتصادية الضعيفة.

عُينَ مفتشاً فنياً في وزارة التربية بعد انهيار النظام الملكي في العراق عام( 1958) وعن طريق هذه الوظيفة، أستطاع أن يُشجع المواهب والفنانين على أمل أن لا تموت وتندثر مواهبهم في دهاليز الأروقة الرسمية والدوام الشكلي المَقيت.

ألتحق في الحزب الشيوعي وهذا ما جعلهُ يغادر العراق عام (1963) بعد اشتداد التنافس الدامي بينَ القوميين والشيوعين الذين تعرضوا للمُلاحقة والمُراقبة من قِبَل النظام الحاكم. هرب إلى إيران عن طريق البصرة، إلا إن المخابرات الإيرانية ألقت القبض عليه وهو متجه إلى روسيا وسلمته إلى الأمن السياسي العراقي. وكان قد حُكمَ عليه بالإعدام، إلا أن المَساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى تخفيف حكمهُ القضائي إلى السجن المُؤبد.

عاش مظفر العديد من المعاناة في السجن الأول “نقرة السلمان” ومن ثم نُقلَ إلى سجن “الحلة” وهنا بدأت محاولاتهُ للهروب. حيث قام مع مجموعة من السجناء السياسيين بحفر نفق في الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن. وكان هروبه مع رفاقه قد أحدث ضجة مدوية في أرجاء العراق والدول العربية.

رغم تَخفيه لمدة ستة أشهر في بغداد وبعدها في الأهواز. إلا أن معاناته لم تنتهي مع الاعتقال والسجن. فبعد سلسلة اعتقالات عديدة، غادر بغداد إلى بيروت ومن ثم إلى دمشق. وبقى مُتنقلاً بين العواصم العربية والأوربية، الى أن أستقر في دمشق.

“ﻣﺎﺫﺍ ﺳﻴﺤﺼﻞ ﻟﻮ ﺗﺤﻮﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻼ‌ﺩ ؟ ﺃنا ﺑﻐﺪﺍﺩٌ ﻭﺃﻧﺖَ ﺍﻟﻘُﺪﺱ، ﻳﻤﻴﻞُ ﺭﺃﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻚ ﻗﻠﻴﻼً  ﻓﺘُﺰﻫﺮ ﺩِﻣﺸﻖ ﻭﻳﺴﺘﻘﻴﻢَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ”

“الشاعر الثوري” هكذا تُلقبهُ العديد من البلدان العربية. وكذلك “شاعراً مُشرداً يشهُر أصابعهُ بالاتهام السياسي” يُنشد قصائدهُ بكلماتٍ عميقة وحادة وبذيئة أحياناً على الطبقة السياسية. وكما يُعتبر من أشد المعارضين السياسيين. أستخدم في أولى قصائده لهجة الجنوب، لأنهُ يعتبرها إنها “أكثر ثورية” لكنه لم ينجح بها، فعاد لاستخدام اللهجة الكلاسيكية في باقي أعماله.

 

اليوم، في العشرون من أيار عام( 2022) في الإمارات. يُغادِرنُا شاعر الثورة والحزن “مظفر النواب”  تاركاً خلفهُ مؤلفاتٍ وقصائد لا يمكن عَدها. الشاعر الذي أَمضى حياته بين سجون الاعتقال وأمام القُضاة، يتلقى موته، وينجوا في الدقائق الأخيرة! يهرب من بلده وهو محملاً بحزن الاشتياق، ويعود من جديد يُنشد قصائدهُ على حُكامها وساساتها..

 

وداعاً يا حَمد..

وداعاً يا جسِر المباهجَ القديمة..

وداعاً يا بَنفسِج الضَباب..

وداعاً يا رَيحان..

وداعاً مُظفر النَواب.

 

 

تِعبَ الطَين

سَيرحلُ هذا الطَين قريباً

تِعبَ الطَين

عاشرَ أصِناف الشَارعُ في الليل

فهِمَ في الليل سَلاطين

نامَ بكُلِ امرأة

خبأ فيها مِن حر النخل بَساتين

فأنا دَفيء

جَسداً كفئ فأنا كفئ

تعرق مِثلَ مفاتيح الجنّة بين يديَّ بأحِلامي.!

وأرى فيكَ بقايا العُمر وأوَهامي

يا طَير البرق القادِم مِن جَنات النَخيل بأحِلامي

يا حامِلَ وحي الغَسق الغامِض فَي الشرق

عَلى ظُلمة أيامي

أحَملُ لبِلادي حينَ ينامُ الناس سَلامي.

 

 الكاتب / جُمانة جمال
التدقيق والتحرير / فاطمة قائد 

 

المصادر :

السيرة الذاتية لـ مظفر النوّاب – اراجيك

السيرة الذاتية | مظفر النواب – الناقد العراقي

نبذة عن مظفر النواب – سطور 

 

Leave A Reply