أزمة التحول الديمقراطي في العراق

ان نجاح الديمقراطية في مجتمع ما ليس بضرورة أن يكون قالب ناجح يمكن تطبيقه في أي مجتمع، فلكل بيئة وضعً خاص واجب مراعاته، وحساب الأبعاد من تطبيق ماهو جديد ضروري لإنجاح اي تجربة اجتماعية.

0

أزمة التحول الديمقراطي في العراق

في دستور ٢٠٠٥ نصت المادة الأولى منه على أن نظام الحكم جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وبهذا استحصلت الديمقراطية في العراق الإطار القانوني والمسوغ الشرعي لاعتمادها كوسيلة لاختيار السلطات. ولكن هل هذا يكفي؟ بالتأكيد لا، فالديمقراطية والحرية بإختيار من يمثل الشعب كان مطلب شعبي، وسياسي من قبل المعارضة السياسية للنظام الديكتاتوري. فاقتران الإطار القانوني للديمقراطية بالقبول الشعبي، منح العراقيين جرعة من الأمل، والتصوير بأن بلدهم سيتطور ويكون من بلدان الشرق الأوسط الرائدة. لكن تناسى من جاء بالديمقراطية وروج لها بأنها عسيرة الهضم خصوصاً في الشعوب النامية. فالعراقيون انتقلوا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فصُدم الشعب بالفهم المشوه، والممارسات الشكلية البعيدة عن روح الديمقراطية التي أنتجت لنا نظاماً عليلاً لم يتمكن من معالجة الأخطاء.

 

ربما يسأل القارئ، ما هو التحول الديمقراطي أو كيف يكون؟ وهل لهذا التحول مراحل؟

توجد نماذج كثيرة لصور التحول الديمقراطي تبدأ من أوروبا وما قامت به الثورة الفرنسية، إلى حرب الاستقلال الأمريكية ووضع الأسس من قبل جيفرسون، إلى جنوب أفريقيا وما قدمه مانديلا، والى شبه القارة الهندية وما فعله غاندي. جميع ما ذكر نموذج حي للتحول الديمقراطي ويجب أن يدرس لنستلهم منه العبر والدروس وتحدد وجهتنا بتلافي الاخطاء أثناء هذه المرحلة. اما عن مراحل التحول فتوجد هنالك أربعة مراحل منها اثنان تكون من الأعلى إلى الأسفل، واثنان من الأسفل إلى الأعلى.

المرحلة الأولى: هي أن تفرض القاعدة الديمقراطية وتكون هي القاعدة الواحدة للعبة السياسية.

المرحلة الثانية: هي بناء مؤسسات دستورية ديمقراطية وفق مبدأ الفصل بين السلطات.

المرحلة الثالثة: بناء مجتمع مدني كونه هو القناة الناقلة للوعي لبقية شرائح المجتمع.

المرحلة الرابعة: أن تسود الديمقراطية كثقافة عامة يتبناها المجتمع في كافة مفاصل الحياة وليست كوسيلة لإختيار الحاكم.

 

ما ذكر من مراحل فيها ما قد نفذ وفيها ما لم ينفذ، وحتى الذي نفذ لم ينفذ بشكل كامل وصورة تامة. فهنالك الكثير من التحديات التي لا تواجه الديمقراطية إنما تواجه التحول باتجاه الديمقراطية بعد مرور ١٨ سنة على الفترة الانتقالية، ويمكن ايجازها:

١_ بنية قانونية دستورية غير مكتملة.

٢_ اسلوب الإدارة البيروقراطي في المؤسسات الحكومية.

٣_ عدم إيمان صانع القرار أو الطبقة السياسية بروح الديمقراطية.

٤_ انعدام ثقة المواطن بالديمقراطية كنظام.

٥_ وجود أيدولوجيات وعقائد تكفر وتجرم من يمارس الديمقراطية.

جميع التحديات واجب الأخذ بها ولكن أبرزها وأشدها تهديداً لوجود الديمقراطية هو انعدام ثقة المواطن بها كنظام يدير شؤون ويلبي الاحتياجات. فالديمقراطية قبل أن تكون ممارسة سياسية هي ممارسة شعبية وابتعادها عن ثقافة المجتمع يعني اندثارها وعدم الأخذ بها.

 

فيطرح سؤال الى متى سيظل المجتمع العراقي متمسك بالديمقراطية مع ما يمر به من أزمات حقيقية؟

الإجابة على هكذا سؤال من وجهة نظرنا هي إجابة مؤلمة وصادمة فاليوم المجتمع العراقي هو الأكثر حنيناً للديكتاتورية، وهذا ما ستلاحظه في كلام اي مواطن بسيط وحتى في النخب العراقية تجد من يعتقد بضرورة العودة للديكتاتورية! والسبب هو تردي الخدمات وسواء الإدارة. والاستمرار بهذا الحال بمثابة إعلان لانتحار الديمقراطية، من دون إيجاد حلول على تركيبة النظام الحالي. ونرى أن أنجع الحلول لإنقاذ الديمقراطية هو مغادرة النموذج التوافقي، والانتقال إلى النظام المختلط الذي تكون فيه الديمقراطية مباشرة، وتوازن حقيقي في صنع القرار بعيداً عن المصالح الضيقة التي وفر لها مظلة قانونية هذا النظام الحالي تحت مظلة الاستحقاق الانتخابي.

 

الكاتب / سجاد سفيح
التدقيق والتحرير / نور علي

*كل ماطرح هو من بحث واراء وأفكار الكاتب.

Leave A Reply