الأثر الإجتماعي المعلوماتي

إن الإطار الذي تضعنا في الجماعة يكاد يكون جزء أساسي من ذواتنا ندافع عنه ونجزم أن الكون يتوقف على أفكارنا وما أن يحدث تحطيماً للأطار بقرار شخصي أو بالصدفة حتى نُصاب بالدهشة الأولى التي أصابتنا عندما خرجنا من رحم أمهاتنا قبل أن نعلم أن للعالم تصور أكبر غير ما نراه بأعيينا فنولد من جديد

0

الأثر الإجتماعي المعلوماتي

علم النفس الإجتماعي هو أَحد أهَم فروع علم النفس حيث يدرسُ السلوكَ الإجتماعي للفرد والجماعة وهدفه بناء مجتمع أفضل قائم على فهم سلوك الفرد.

ومن أهم الظواهر النفسية التي تنتشر بين الجماهير هي ظاهرة العقل الجمعي أو (التأثير الإجتماعي المعلوماتي) وهي ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أنّ تصرفات الجماعة تَعكس سلوكاً صحيحاً ،ولأنهم افترضوا أن الآخرين لديهم معرفة أكثر منهم عن تلك الحالة ينقادون معهم كالقطيع سواء كانوا على صوابٍ أم خطأ. ولنشر فكرة ما يتم تناقلها بين الناس و من ثم قبولها والإعتياد عليها بسبب تكرار فعلها من قبل العديد من الناس، إذ إن تكرار فعل شيء يؤدي إلى أن يصبح من العادات والتقاليد ، فالإعتقاد بأن الفكرة السائدة هي معيار للحق بسبب إجماع عدد كبير من الناس عليها يجعل هذا الإعتقاد بديلا للعقل، فيضطر الناس إلى أن يُسلموا ضميرهم لتقاليدهم الموروثة حتى لو كانت تلك ثقافة جاهلة وتقاليد حمقاء ،  غير أن التاريخ يُعلِمنا أن أفكار الجماعة واعتقاداتهم كثيراً ما تُبين خطأها الذريع وبطلانها فإن العقل الجمعي يَصلُح فقط لقياس توجهات مُجتمع ما و مِيول أغلب أفراده و لكنه لا يَصلُح لقياس الصواب والخطأ.

وكشفت بيانات الرنين المغناطيسي لدراسات علمية أن الصِراع مع معايير المجموعة يُنشّط المناطق المُختصة بالتكيف السلوكي في الدماغ وان الأفراد تلجئ إلى العقل الجمعي لتجنب السخرية ولرغبتهم  بشعورهم بالتشابه مع الآخرين  فكيف نتحرر بحكمة من الوعي الجمعي؟ حيث  أن التحرر من الوعي الجمعي مطلوب، ولكن ليس هناك تحرر مطلق بل إنه يُخلصك من قيد للوقوع في قيد آخر فتصبح أسيرا لقيدك الفردي الأناني الذي يضع لك قوانينك الخاصة وفقا لنزعاتك الفردية و أهواءك .

وهناك أمثلة عديدة حول  العقل الجمعي، كأن يلاحظ الفرد إن هناك أكثر من ناقد يَمتدح كتاباً محدداً فإنه سوف يفترض أن هذا الكتاب كتاب جيد,وكذلك في حالة عدم التأكد من النتيجة الصحيحة فأحد الدراسات وجدت أنه عند تقديم منتج فإن المستهلكين يفضلون شراء منتج امتدحه الآخرين على منتج آخر يجهلونه.

و تختلف قوة نظرية العقل الجمعي أيضاً بإختلاف الثقافات. كذلك في المسارح يضعون في الصف الأول أشخاصا يصفقون بحماس ليقلدهم جميع من في المسرح كذلك يمكن رفع مشاهدات برامج الفكاهة من خلال أصوات الضحك المصطنعة التي تثير في المُشاهد رغبة الضحك.وفي الموضة المقلدة والعلاجات الصحية التي يتبعها الأشخاص فقط لشهرتها. بالإضافة الى أنَّ تمّ تقديم نظرية العقل الجمعي كتفسير لظاهرة الإنتحار المقلد حيث تزيد معدلات الإنتحار عقب نشر وسائل الإعلام أخبارا عن حالات الانتحار، الأبحاث التي قام بها ديفيد فيليبس منذ عام 1947 وحتى 1968 تدعم وجود حالات الإنتحار المقلد.ولقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص في الثقافات الجماعية يتوافقون مع العقل الجمعي للآخرين أكثر من أولئك الذين يتواجدون في الثقافات الفردية.وأن استقلالية الشخص وتوجهاته سواء أكان توجه فردي  أو جماعي يؤثر على قراراته. كشعور الشخص بالمسؤولية الإجتماعية حيث إن الأفراد المتعاونون غالباً سيكون لديهم إلتزام أكثر بمساعدة الآخرين بسبب وعيهم  في المسؤولية الإجتماعية، وهذا بدوره سوف يزيد احتمالات أنهم سوف يمتثلون للعقل الجماعي. و لهذا فإن للعقل الجمعي أضرار كبيرة فبينما لا يوجد ضرر كبير في أن يتبع الناس عادات مشتركة وفعاليات بينهم لكن عندما تكون هذه الفعاليات تدعو للقتل وتهجير الآخر وأذية الآخرين يفقد الإنسان اتصاله بوعيه. وإن العقل الجمعي ليس مفهوماً مطلقاً  فأوروبا  القرون الوسطى التي شكلت عقلاً جمعياً دينياً متطرفاً ليست أوروبا اليوم التي تنظر للعالم  نظرة علمية وبالتالي تحسين ظروف العيش وصلاح المجتمع حيث تم الفصل بين ما هو خاص برضا الخالق ومعتقدات الكنيسة و بين البحث عن الحلول للمشكلات الفكرية والإجتماعية دون الإنصياع خلف ظاهرة العقل الجمعي وبالتالي إزدهرت أوروبا في المجال الفكري والتكنولوجي والموازنة بين مصلحة  الفرد  والجماعة . أما في العالم العربي تجري محاولات لتغييرات جذرية للنهوض بالمجتمعات إلا أنها تصطدم بالعقل الجمعي المتخلف الذي يرفض الديمقراطية بإعتبارها نموذج غربي يتعارض مع رضا الخالق.

ويحدثنا المؤرخ الفرنسي غوستاف (مؤلف كتاب سيكولوجيا الجماهير) أن العقل الفردي قد يتصرف بصورة سلبية إذا إنجرف مع العقل الجمعي حيث يمكن أن يوجد  فرق بين عالم رياضيات وصانع  أحذية على المستوى الفكري ولكن من وجهة نظر نفسية فإن الإختلاف ضعيف جداً و إلا بماذا نفسر خروج أساتذة جماعية في مقدمة  تظاهرات مليونية للولاء إلى رمز ديني أو مناسبة دينية أشار بها قائد ديني أو سياسي بسبابة أصبعه فنصروه دون معرفة الدوافع والأسباب. ولكن لا يمكن  أن نغفل عن دور الأجيال الحالية بأن تصنع واقعاً جديداً يميز فيه الأفراد بين المواقف التي تتطلب التعاون مع الجماعة بعادات وأفكار سليمة و بين المواقف التي تتطلب الإستماع للذات و إتباع الأفكار الشخصية .

الكاتب  / آية حسن
التدقيق والتحرير / فرح منير

المصادر :

1- “Using Social Proof for your Digital Success ϟ Devumi”. مؤرشف من الأصل في 29 يناير 2018. اطلع عليه بتاريخ 01 أكتوبر 2015.

2- Corner, Adam (December 16, 2011). “Social norm strategies do work – but there are risks involved”. Guardian Professional Network. مؤرشف من الأصل في 18 يونيو 2018.

3- Platow, Michael J.; Haslam, S. Alexander; Both, Amanda; Chew, Ivanne; Cuddon, Michelle; Goharpey, Nahal; Maurer, Jacqui; Rosini, Simone; Tsekouras, Anna; Grace, Diana M. (1 September 2005). “”It’s not funny if they’re laughing”: Self-categorization, social influence, and responses to canned laughter☆”. Journal of Experimental Social Psychology. 41 (5): 542–550. doi:10.1016/j.jesp.2004.09.00

Leave A Reply