البعد الاجتماعي في مواجهة التغير المناخي – العراق إنموذجاً
ما مدى الارتباط بين الابعاد الاجتماعية وبعض الظواهر الطبيعية والمشاكل البيئية؟ هل الاجابة عن هذا السؤال يفسر لنا بعض الحقيقة الكامنة وراء كون العراق يحتل المرتبة السابعة بين أسوأ الدول في اتخاذ اجراءات حماية البيئة؟ وهل هذا مرتبط مع حقيقة ان ما يقارب نصف المجتمع العراقي لم يسمع بظاهرة التغير المناخي؟! هذا ما نحاول ان نسلط عليه الضوء في هذا المقال.
البعد الاجتماعي في مواجهة التغير المناخي – العراق إنموذجاً
ان من محدودية افق النظر, الفصل الكامل بين العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية, فان العديد من المشاكل قد تتطلب التكامل بين هذين الحقلين, فقد نواجه مشكلة ذات منشأ طبيعيٍ ولكن تعجز العلوم الطبيعية عن حلها بالاعتماد على المنهج التجريبي والطرق العلمية فحسب وبمعزلٍ عن العلوم الاجتماعية. ان مشكلة التغير المناخي التي تواجه البشرية في الوقت الحالي لخير مثال على هذه الحقيقة.
تعتبر ظاهرة التغير المناخي Climate Change من الظواهر البيئية والتي نتجت عن ظاهرة طبيعية أخرى وهي الاحتباس الحراري Global Worming. حاول علماء الطبيعة في بادئ الامر فهم أبعاد هذه المشكلة والتنبؤ بمسارها ووضع الحلول لمواجهتها بالاعتماد على العلوم الطبيعية (علوم المناخ, الفيزياء, الكيمياء, البيولوجيا…الخ) والابتكارات التقنية, وبعد جهود حثيثة كان الفشل واضحاً في مواجهة التغير المناخي والحد من آثاره الكارثية على الانسان والطبيعة, واستمرت وتيرة أضراره بالتزايد, ثم توصل المتخصصون الى أهمية ادخال العلوم الاجتماعية في هذه المعركة وضرورة التكامل والتخطيط المستند على تعدد المناهج والتخصصات للوصول الى النتائج الصحيحة, حيث ان الانسان هو اللاعب الجوهري والمسبب الرئيسي للاحتباس الحراري والتغير المناخي, وبالتالي اصطدم المهتمون بمواجهة التغير المناخي بعقبات ومشاكل تتطلب فهماً أعمق لبعض الحيثيات الاجتماعية ذات العلاقة بمشكلة التغير المناخي ومنها على سبيل المثال:
- النمط الاستهلاكي الفردي والعالمي وعلاقته بالتغير المناخي,
- العدالة والمساواة العالمية والتغير المناخي,
- تبني حلول التغير المناخي من قبل الافراد والمجتمعات – الرفض والقبول,
- السياسات العالمية المناخية والحركات الاجتماعية… وغيرها الكثير.(1)
من خلال فهمنا للحقيقة أعلاه وهي الارتباط الوثيق بين الحيثيات الاجتماعية والفهم العميق للمجتمع من جهة والتكامل مع الحلول التقنية والحقائق العلمية للعلوم الطبيعية من جهة اخرى لمواجهة التغير المناخي, من خلال هذه الحقيقة يمكننا فهم الاخفاق الذي يتسم به دور العراق في مواجهة تحديات التغير المناخي مقارنة بالجهود العالمية والاقليمية الأخرى.
ولتوضيح ذلك سنتطرق الى الحقيقتين التاليتين وباختصار: (1) فشل العراق في مواجهة تحديات التغير المناخي. (2) جهل المجتمع العراقي نسبياً بموضوعة التغير المناخي وظاهرة الاحتباس الحراري.
كتاب “التغير المناخي والمجتمع – المنظور الاجتماعي” المنشور عام
2015
العراق يحتل المرتبة السابعة بين أسوأ الدول في اتخاذ اجراءات حماية البيئة!
على الرغم من تضمن التقرير الأخير للجنة الدولية للصليب الأحمر حول التغير المناخي ادراج العراق ضمن الدول الأكثر تضرراً من نتائج الاحتباس الحراري في ظل ارتفاع درجات الحرارة واختفاء الكثير من المساحات الخضراء بسبب الجفاف وغياب التخطيط وانخفاض مستوى المياه وغيرها.(2) وانضمام العراق الى اتفاقية الامم المتحدة الاطارية لتغير المناخ 1992 وبروتوكول كيوتو المنبثق عنها 1997, وما تبع ذلك من انضمام العراق لاتفاقية باريس 2015 البديلة عن بروتوكول كيتو, الا ان العراق لم يتخذ أي اجراءات تذكر للوفاء بمتطلبات تلك الاتفاقيات, حيث لم يدرج العراق ضمن مؤشرKPMG للعام 2019 للدول الـ140 الاكثر استعداداً للتغيرات المناخية المتوقعة,(3) بينما احتل العراق المرتبة السابعة من بين الدول الاسوأ من حيث اجراءات حماية البيئة حسب أحد التصنيفات العالمية المرتبطة بإحصائيات البنك الدولي.(4) ونود ان نلفت هنا النظر الى ان من أهم اسباب هذا الاخفاق الواضح هو فشل العراق في اشراك المجتمع المحلي ضمن جهود مواجهة التغير المناخي والتقليل من آثاره, حيث ان الكثير من الخطط والبرامج المعدة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي ومعالجة اسباب الاحتباس الحراري تعتمد على تبني الفرد والمجتمع للممارسات البيئية الصحيحة والذي يجب أن يسبقه مستوى جيد من الفهم الصحيح لهذه المشاكل البيئية والوعي الكافي بخطورتها وأضرارها الكارثية, وهذا ما نجده غائباً عن المجتمع العراقي حسب الحقيقة التالية:
نصف المجتمع العراقي لم يسمع بظاهرة التغير المناخي!
اعتماداً على ما نشر في موقع وزارة التخطيط العراقية / الجهاز المركزي للإحصاء (5) من “أهم مؤشرات مسح معارف ومواقف وممارسات المجتمع حول الجوانب البيئية في العراق” اعتماداً على مسوحات واستبيانات اجريت لنماذج من الأسر العراقية في العام 2016 فان نسبة الأسر التي سمعت بمصطلح التغير المناخي بلغت (51,3%), أما نسبة الأسر التي لديها معرفة بظاهرة الاحتباس الحراري فقد بلغت (38,3%) فقط! وهذه من الدلائل الخطرة على غياب الوعي المجتمعي بالمشاكل البيئية العالمية ذات التأثيرات المحلية والذي يكشف عن بعض اسباب فشل العراق في الانخراط ضمن الجهد العالمي البيئي لمواجهة التغير المناخي. ومما يزيد الامر خطورة وحسب نفس مصدر الاحصائيات السابقة, فان حتى النسبة المتدنية من المجتمع العراقي التي لديها معرفة بمعنى الاحتباس الحراري والبالغة (38,3%) ليست على وعي كافٍ بخطورة هذه الظاهرة, حيث ان ما يقارب النصف فقط من الأسر التي تعرف معنى الاحتباس الحراري تعتقد بانها ظاهرة خطرة على الحياة الطبيعية والانسانية!
مما تقدم تتضح لنا أهمية ان تتخذ السلطات المسؤولة في العراق والمهتمون بالجانب البيئي خطوات فعالة لأخذ الحيثيات الاجتماعية بنظر الاعتبار ضمن برامج مواجهة التغير المناخي, والعمل بجد على اشراك القوى المجتمعية والافراد في تبني السلوكيات الصديقة للبيئة.
الكاتب / كرار اكرم
التحرير والتدقيق / محمد رحيم
المصادر :
1. Islam, M.S.; Kieu, E. Sociological Perspectives on Climate Change and Society: A Review. Climate 2021, 9, 7.
[…] […]