عِلم الفَلك البابلي
يعد علم الفلك من اقدم العلوم البشرية على الاطلاق، وتطور مع تطور معرفة الانسان بالطبيعة التي هو جزء منها، إذ ان ذكاء الانسان و عقله المفكر و المبدع الذي يتميز به عن سائر المخلوقات على الأرض، جعله يفكر في السماء وأجرامها المختلفة، فأدرك مدى عظمتها و روعتها. في العصور القديمة، حيث عاش الإنسان الاول في الكهوف المظلمة، وعندما يحل الظلام ، وتظهر النجوم البراقة اللامعة بألوانها ولمعانها، والقمر المنير الذي يضيء له الأرض ليلاً، او أن يقع حدث فلكي طبيعي مثل خسوف القمر، أو كسوف الشمس، او ظهور مذنب لامع يحتل مساحة واسعة من السماء بطول ذيله، فيظن بأن ذلك نذير شؤم، او إشارة إلى موت ملك عظيم، أو نزول كارثة متوقعة، كل ذلك شد اهتمام الانسان بالسماء واشغل تفكيره و خياله. وهكذا كانت السماء قد استعمرت عقل الانسان بشكل متواصل منذ القدم، واخذ يتابع رصد النجوم والأجرام السماوية الأخرى ليلاً بعد ليل , لنتعرف اكثر عن علم الفلك البابلي من خلال هذا المقال !
عِلم الفلك البابلي
كثيرًا ما نظر البشر إلى السماء منبهرين بجمالها وأسرارها. ولا عجب أننا نلاحظ تغيّر مَظهر السماء ليلًا في أثناء دوران الأرض والكواكب الأخرى حول الشمس، إذ يتمتع البشر ببراعة مذهلة في اكتشاف الأنماط. وهذا ليس بالجديد إذ تحدد لوحة مكتشفة في لاسكو، في فرنسا موقع الكواكب في السماء ليلاً منذ قرابة 15،000 سنةٍ قبل الميلاد!
لطالما أبهرتنا حضارة وادي الرافدين القديمة بأنتاجاتها الثقافية والإنسانية والعلمية ايضاً , ومن ضمن تلك الحضارات هي حضارة البابليين التي حكمت منطقة شاسعة من الشرق الاوسط و الهلال الخصيب و الذي كانت عاصمتها مدينة بابل حاليا .
بدايات علم التنجيم البابلي :
توجد بعض الدلائل على ممارسة علم التنجيم في بابل منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، وأقدم دليل على نظامهم الموثوق في علم التنجيم هو من الألفية الثانية قبل الميلاد؛ إذ يوثّق نحو 70 لوحًا طينيًا مكتوب باللغة المسمارية يعود إلى العام 1700 قبل الميلاد وأكثر من 7000 نذيرٍ سماويٍ!
ركز علم التنجيم في ذلك الوقت على ما كان يحدث في السماء ليلًا لأن التنبؤ بحركة الكواكب كان صعبًا حينها، لكنهم امتلكوا بحلول القرن الرابع قبل الميلاد نظامًا موثوقًا إلى حد ما، لدرجة استطاعتهم بالتنبؤ بحركة الكواكب المستقبلية.
كان علم التنجيم في بابل إحدى ممارسات الكهنة، وكان إحدى طريقتين يحدد بهما الكهنة إرادة الآلهة. أما الطريقة الأخرى فهي فحص أكباد القرابين وتفسير أنماط البقع الداكنة التي يمكن ملاحظتها.
تضمن نظام التنجيم البابلي الكثير من الأشياء التي نتعرف عليها في عصرنا الحالي. قسَّموا النجوم الثابتة إلى ثلاث مجموعات “-آنو وإنليل وإيا-“بناءً على مكان سطوعها في الأفق الشرقي.
وتعرف البابليون في الأصل على 18 كوكبة من هذه النجوم الثابتة، لكنهم ركزوا لاحقًا على أهم 12 كوكبة، والتي تبناها الأغريق وتتوافق مع الأبراج التي يستخدمها الغرب اليوم.
ومن الأمور التي أجمع عليها مؤرخو العلوم إن تأسيس علم الفلك قد وضعت في حضارة وادي الرافدين قبل نحو 4000 عام وخلف هذا العلم تراثاً مهماً في الحضارات الأخرى ومنها الحضارة اليونانية . وقد وصلتنا مدونات فلكية يرجع زمنها الى بدايات الألف الثاني ق.م وتشير تلك المدونات الى إن البابليين كانوا ينظرون الى الكواكب المعروفة آنذاك ( عطارد , الزهرة , المريخ , المشتري , زحل ) على إنها القوى التي تتحكم في مصائر البشر , كما إن الآلهة البابلية الرئيسة كانت تتمثل في هذه الكواكب السيارة الخمسة إذ أمدتنا النصوص الفلكية بأسماء الكواكب وعلاقة كل كوكب بأحد الآلهة :
اسم الكوكب الإله الممثل له
مردوخ Umun-pa-ud-Du-A المشتري
عشتار Dil-Bat الزهرة
ننورتا Lu-Bat-sag-us زحل
نابو Lu-Bat-Gu-ud عطارد
نركال Zal-Bat-a-nu المريخ
والقمر مع سين
من اليسار إلى اليمين: آشور، عشتار، سين، إنليل، أداد، عشتار أربي وحولهم مصليان للنجوم
ومن بين تلك الكواكب جميعها كانوا يعتبرون كوكب زحل هو الكوكب الأكثر اهمية والأشد تأثيراً على مستقبل البشر , أما الكواكب الأخرى فأن لها حركة خاصة ومحدودة وغير خاضعة لحركة قياسية كما إنها تتنبأ بأحداث المستقبل وتشرح للناس مخططات الآلهة الخيرة حيث عرفوا كيف يستنتجون الطالع من إشراقة هذه الكواكب ومغيبها أو لونها .
كما و اهتم الكهنة عند قراءة هذه الطوالع بما يحدث في عموم الدولة بالدرجة الأولى وفي حياة الملك باعتباره الشخصية المركزية للدولة. وآمنوا بقدرة الطقوس على إرضاء الآلهة وتلطيف القضاء الذي تعرضه النجوم.
أما طريقة البابليين في التفسير فقد كانت مبنية على الذاكرة، بتعبير أدق: يستذكرون ما حدث في الماضي عندما ظهرت نفس الظاهرة الفلكية الحالية. وأيضاً استخدموا خصائص الآلهة (طبيعته) المرتبطة بالكواكب المختلفة (ذكرنا سابقًا أن لكل كوكب إله مختلف) وأيضاً القصص المرتبطة بالكواكب المختلفة لتطوير قصص تتضمن رسائل عن معناها.
وقد انتشر علم التنجيم البابلي في المنطقة. فالكثير من الملفات التي وجدت في المدن الحيثية والأكدية والآشورية تفصِّل أشياء عديدة مثل طالع القمر والكسوف الشمسي بناءً على النظام البابلي.
بقيت قطع صغيرة من آثار علم الفلك البابلي حتى عصرنا هذا، وهي عبارة عن بعض الألواح الطينية الحديثة الكبيرة التي تحتوي على المفكرات الفلكية البابلية، والتقويم الفلكي، والنصوص الإجرائية، ولهذا معرفتنا بنظرية الكواكب البابلية محدودة للغاية.
ومع ذلك، تُظهر هذه القطع الأثرية الصغيرة الباقية أن علم الفلك البابلي كان أول محاولة ناجحة لوضع وصف رياضي دقيق للظواهر الفلكية.
وكل العلوم المشتقة من علم الفلك في العصر الهلنستي، والهند، والعصر الإسلامي، والغرب كانت معتمدةً على علم الفلك البابلي بشكل أساسي.
ترجع أصول علم الفلك الغربي إلى بلاد الرافدين، وتعتبر كل الجهود الغربية في العلوم الدقيقة وليدةً لجهود علماء الفلك البابليين.
وصلتنا المعلومات التي نعرفها عن علم الفلك السومري بشكل غير مباشر، من خلال فهارس النجوم البابلية القديمة التي يعود تاريخها إلى 1200 عام قبل الميلاد. ويشير ظهور أسامي النجوم باللغة السومرية لاستمرار هذا العلم حتى بدايات العصر البرونزي.
الملاحظة البابلية لمذنب هالي عام 164 قبل الميلاد سجلت اليوميات الفلكية البابلية الملاحظات اليومية للقمر والكواكب من القرن السابع وما بعده. تحتوي مذكرات الفترة ما بين 164-163 قبل الميلاد على ملاحظات لمذنب هالي عند رؤيته الأولى والأخيرة. يمكن تأريخ هذه الملاحظة إلى حوالي 22-28 سبتمبر 164. غرب أستراليا 1881-6-25،73 / 41462
الكاتب / قباء نزار
التدقيق والتحرير / سرى ناطق
المصادر :-
Babylonian astronomers used geometry to track Jupiter