التعليم وكيف يجب ان يحتوي الناشئين
الرحلة التعليمية قائمة لهيكلة نمو الافراد بأسس تضمن قدرة الناشئة لاستحقاق ريادة الفرص و تمكنهم من خوضها،فكيف تمتاز رحلة الانسان التي تصطحبه لتكوين عالمه؟وكيف كانت تجربتنا للرحلة التعليمية في العراق؟
يصنع التعليم فارقاً مؤثراً في مستقبل المجتمعات، إنه يُنشىء من الأفراد قادة للمستقبل ومخلّدين للتاريخ،الاّ إن التعليم لا يقتصر فقط على ما قد يُصبح عليه الفرد والمجتمع مستقبلاً، إذ يعدّ التعليم فعّالاً إن كان يخطو لأجل عيش الحياة وليس التحضير من أجل عيشها،وبهذا يمكن اعتبار نجاح التعليم مكمون بالمساحة الموفّرة للطالب التي تمكنه من خوض التجارب الحياتية والتعلم منها،أي بتوفير فرصٍ للطالب ليكتسب مهاراتٍ حياتية تضمن قدرة الفرد على حل المشاكل وإدارة المهام والقيادة والتخطيط ومقاومة الضغوطات، فضلا ًعن تنمية الذكاء العاطفي والتفكير النقدي والإبداعي ومهارات التواصل لدى الطالب وتهيئته على تعليم الآخرين و مساعدتهم وغيرها من المهارات الحياتية التي تصقل شخصية الطالب .
ولا تكون هذه الفرص ممكنة إن كان النظام التعليمي قائم على إلمام الطلبة بالعلم والمعرفة المُلقّنة وإن ما عداهم من جوانب إبداعية يُلغى، فيُحصر النجاح على اولئك اصحاب الذكاء المنطقي-الرياضي العالي(تبعاً لنظرية الذكاءات المتعددة لهاورد غاردنر)وإن لم يكونوا كذلك فهم مُجبرون على التصرف وفق هذا الذكاء، إنّ كون الطالب ذو ذكاء رياضي-منطقي لا يكفي لمواجهة المعرقلات في حياته، وتبعاً لوصف غاردنر عن النوابغ فهم أولئك الذين يتميزون بمعدلاتٍ مرتفعة في عدة ذكاءات كمثل الشعراء يمتلكون درجات عالية في ذكائي اللغويات والنغم ، أمّا الرسامون فلديهم درجة عالية في كل من الذكاء البصري والعضلي.و بحسب نظرية الذكاءات المتعددة فإن أنواع الذكاء التسع تتضمن :
ومن واجبات النظام التعليمي تنمية ما لدى المتعلم من ذكاءات ضعيفة، وتطوير ما يملك من ذكاءات فعّالة وفي أغلب الأحيان يكون على المعلم اكتشاف المكمون في دواخل المتعلّمين من ذكاءات لم تُتَح الفرصة لإظهار الابداعات الناتجة عنها .وهذا قد يتمثل بمعرفة استخدام وتوظيف أنماط التعليم الصحيحة،إذ يجد بعض الطلاب صعوبة في فهم الدرس أو لا يستطيعون فهمه من أحد المعلمين بينما يتميزون به بمجرد اختلاف المعلم وهذا يعود لنمط التعلم المفضل لدى الطالب ، فيجب تحقيق انسجام في ما بينها عند طرح الموضوع لمختلف الطلبة .وأنماط التعليم بحسب نموذج VARK :
فهناك من يفضل التعلم السمعي ويرى إنها الطريقة الأنسب لتحقيقهِ تقدماً ،ک الإستماع لشرح وآراء المعلم حول الموضوع والاستمتاع بسماع الطلبة يناقشون مفهومهم عن الموضوع بتحليلهم ونقدهم وتساؤلاتهم غير المألوفة، وعمل المجموعات الطلابية داخل الدرس وتوفير المناظرات الطلابية مع مختلف الفئات والمراحل في شتى المواضيع مما يحفز مهارات الاستماع الفعّال(الإنصات الإيجابي)والقدرة على التواصل مع الجمهور والتفاوض والقدرة على التأثير،كذلك من الطرق الفعّالة الأخرى هي توفير الفرصة للإستماع لمختلف المتحدثين عن طريق استقبالهم في المدرسة أو الذهاب في رحلات علمية للاستماع الى تجاربهم ومشاركتهم الحديث مما يساعد في تنمية التعاطف لدى الطلبة أي فهم مشاعر الآخرين من نبرتهم الصوتية ولغة جسدهم و تقدير ما يعيشونه واحترام وجهات نظرهم،وإن لسرد القصص والتجارب دوراً في تنمية الذكاء اللغوي والذكاء الاجتماعي وكذلك الذكاء المكاني لدى الطلبة.ايضاً فمن أنماط التعليم الفعالة هي التعليم الحركي حيث يرتبط هذا النمط بما يُمكن تطبيقه وعيشه بالواقع،من إجراء التطبيقات العملية واختبار التجارب وعمل الأعمال الفنية والحِرفية والتعلم باللعب،فيؤدي بالطالب لإثبات الحقائق بنفسه ويحفزه على الإنجاز والاكتشاف،ويمكن وصفه بأن يستخدم المتعلمون لغتهم وكلماتهم الخاصة لتعريف وتوضيح حل وتصنيف كيف تعكس حركة أجسامهم المفهوم الذي يكتشفونه.وهناك من الطلبة من يفضل التعلم البصري باستخدام الجداول والمخططات والرسوم البيانية واستخدام الصور والفيديوهات المحفزة لعملية الاستيعاب والتذكر ،وايضا هناك من يتعلم بالقراءة والكتابة المكثفة للمواد وهذا هو الأسلوب المتبع في منهجنا الدراسي والذي يُتّبع بطريقة مبالغة ومكثفة بتدوين الملاحظات وتسجيل الشرح وجميع الاسباب المتعلقة بخطوات الحل بالتفصيل وضمان الملازم التي تُلم المنهج العلمي قدر الامكان،واعتبارها الطريقة الوحيدة لدراسة جميع المجالات ومفروضة على جميع الطلاب مما قد يؤدي بالطلبة غير القادرين على التكيف مع هذه الطريقة الى تدني مستواهم الدراسي وحتى الرسوب ليجد هؤلاء الطلبة بأن تعامل المجتمع معهم ليس فقط بأنهم قد فشلوا في تحقيق النجاح المنشود بالذكاء المحدد بنمط واحد فحسب بل فشلوا في اثبات حقهم بالحصول على حياة كريمة تضمن لهم فرصاً في المجتمع والتأثير به .
يعتقد (( بيخو باريخ ))”أن التعليم يهدف إلى الأنسنة وليس إلى التنشئة الاجتماعية وحدها ولا يقتصر على إعداد مواطنين أسوياء وحسب، بل يسعى إلى تنمية طاقاتهم العقلية والأخلاقية واهتماماتهم الفكرية لينعموا بالرفاه في عالم إنساني يمتاز بالغنى والتنوع “.
يحتوي الدماغ البشري على 86 مليار خلية عصبية(neurons)ترتبط بتشابكات تسمى بال (synapses) والتي تقدر بالتريليونات، ليستطيع الدماغ توليد 50,000 الى 70,000 فكرة باليوم الواحد،ويمتلك سعة تخزينية تقدر ب2.5 مليون كيكا بايت تمكنه من خزن فيديو مدته 300 سنة (حوالي 3 مليون ساعة).وبالرغم من هذه القدرات الهائلة يستمر النظام التعليمي باتباع منهج (التعليم البنكي)كما اسماه المعلم البرازيلي صاحب نظريات التعليم المؤثرة باولو فريري، أي إيداع المعلومات المقررة والمجهزة مسبقاً في ادمغة المتعلمين،تقيّد أدمغة المتعلمين بترديد واستذكار المعلومات وتحرمها من لذة اكتشاف المعرفة ذاتيّاً بالبحث والتساؤل ومن ثم ابتكار الاستنتاجات،ويفرض عليها تجنب تحليل ما تلقته من معلومات وتطويرها فالمعلومات قابلة فقط للاستلام والتسليم من غير معالجتها واعتماد اجابات نموذجية وفقاً لمقاييس ثابتة بحيث إن ابتكار الطالب لإجابته الخاصة بطرق بديلة او باختلاف الصياغة غير مرغوب ومرفوض إذ يهدف هذا التعليم التقليدي لغسيل أدمغة الطلبة أي إلى تقويم الطلبة جميعا بنفس القالب رغم اختلافاتهم،فتتكرّس معايير وحدود النجاح والتفوق السطحية في مجتمعاتنا أكثر فأكثر.وبهذا تجد إنّ معظم الطلاب يمضون سنواتهم الدراسية بحثاً عن ما يسمى(أسئلة امتحانية مطابقة للمنهج) فليست لدى الطالب جرأة البحث وابتكار اجاباته الخاصة الناتجة من استيعابه وتحليله للمادة الدراسية وعرضها بالامتحان ليتم تقديره بحسبها وذلك لأن النظام التعليمي عَدمَ ثقة الطالب بنفسه وبإمكانياته ليستمر النظام التعليمي بتحديد الاسئلة والاجوبة،وعلى الطالب تكرارها فقط،وإن لهذه الإجراءات المعتادة لطول السنين أثرها في نفور الطلبة عن الدراسة،لكون عملية الحفظ والاستذكار اليومي مُتعبة وليست متجددة فلا يستطيع الدماغ أن يعرّف حِفظ المواد كتجربة جديدة مُلهمة او انجاز مُحقق ،فيبدأ بالدفاع عن نفسه بتقليل إفراز هرمون الدوبامين(الذي يفرز عن إدراك بروز أهمية محفزة كالرغبة،فيكافئ الدماغ الجسم لهذا الانجاز بإفراز الدوبامين )،مما يفسر عدم قدرة الطلبة على التركيز أثناء الدراسة و ضجرهم أثناء الاستماع للمحاضرات المعتادة.
ومن نظريات باولو فريري هي وجوبِ تحقيق الاستقلال للمتعلم،فالمتعلم هو سيد نفسه وقائدها ويجب أن يكون المسؤول الوحيد عن بنائها وتقدمها،وهذا خلاف ما يحدث لكون المعلم هو مصدر المعرفة الوحيد ،هو من يخطب والطلبة من ينصت وينفذ، وكأن ليس لهم الحق في قيادة أنفسهم نحو المعرفة ونتيجة تعويد الطالب على تلقي المعرفة لا البحث عنها انعكس سلباً على مهارات التعلم مدى الحياة وصعوبة تقبلهم للتغييرات والمستجدات،وهو من العوامل التي تحدد تحقيقهم لاستقلالهم في جميع شؤونهم ،فلِكونهم لا يستطيعون التشكيك والنقد ولم يجرؤوا على التساؤل اتبعوا الطاعة التامة وتقبل ما يجري لهم دون احداث فارقاً في حياتهم أو حتى الاعتراض وهذا ينطبق على صفة مجتمعاتنا الخاملة التي تنتظر من التغير أن يحدث ولا تفكّر بإحداثه.ويحث فريري على ضرورة تعزيز حس الفضول لدى المتعلم وإشباع رغبته الجامحة باستكشاف عالمِهِ فلا يكتفي الطالب على سبيل المثال بأخذ معلوماتٍ عن طبيعة الحياة بالأرياف فهو بحاجة للتعايش مع هذه التجربة والذهاب لاستكشاف الحياة الريفية حيث يستطيع أن يراقب ويتابع إجراءات الحياة اليومية لسكان الريف والتواصل معهم.أو أن يُطالبَ الطالب بعمل تجربة تبيّن دوران الأرض حول الشمس بدلاً عن حفظ الحقيقة فحسب.
يقول فيغوتسكي (فيلسوف وعالم نفس ،وهو ايضاً عالم طفولة وعالم انسان سوفييتي) ” إن التعليم وأهدافه القريبة المدى والبعيدة لا يسير خلف التطور ولا إلى جواره، وإنما يسير إلى أمامه ويرتقي بأنماطه السائدة إلى أنماط أكثر تطوراً ”
يهدف التعليم إلى إنتاج جيل واعٍ بمسؤولياته تجاه نفسه والمجتمع ويكون قدر تحمل نتائج قراراته التي قد تصل إلى إحداث تغييرات عالمية لا عودة منها فتُخلف الدمار لسنين عدة،أو تؤدي قراراته لتمكن هذا الجيل من المساهمة في حل القضايا العالمية وابتكار الحلول وفي التأثير على الآراء السائدة ،وهذا يعني إن المنهاج التعليمي يجب تكييفه بما يواكب التطورات العلمية والتكنولوجية والعولمة السياسية والاقتصادية لريادة سوق العمل،وتعزيز التفاعل مع القضايا الإنسانية والسعي لأجلها وأن لا يتغيب الطالب عن أكثر الساحات نشاطاً في حاضرهِ ولا يغفل عن ما تنتجه البشرية في هذا العصر.فيتم التطرق للمشاكل البيئية وقضايا التنوع العرقي والعدالة الاجتماعية والمجاعات الحاصلة في دروس اللغات والعلوم والرياضيات والفنون فضلاً عن دروس تنمية الحقوق والاقتصاد.
إن المتعلمين شغوفين لتعلم استثمار حاضرهم،يستمعون جيداً للمستجدات متحمسين للتعرف على الروّاد من حولهم، وإن لم يكونوا كذلك ربّما لكونهم لا يمتلكون حاضراً مثمراً ،ولن يمتلكوا مستقبلاً مشرقاً.
فلا يمكن تأجيل حاجة اليوم إلى غد،فالصورة النمطية التي اتخذها المجتمع ويتعامل النظام التعليمي على أساسها لا تعطي أهمية لما يتداوله الطالب خارج الدراسة،وليس من الضروري تمكين الطالب ليناقش من حوله أو لِيؤثر في صنع القرارات ويسهم في نشر الوعي المجتمعي.ويحد من نشاطه في اهتماماته ومن تواجده في ما يجد نفسه فيه، ويبتعد النظام التعليمي عن ضرورة الهام الطالب في رحلة البحث عن ذاته ومساعدته ليتعرف على المزايا المخبأة في أعماقه،ليطور مراحل نضوجه ويحدد أهدافه ورغباته في بيئة مدرسية توفر الدعم في داخل المدرسة وممن فيها،. إلا إن الفرد الناشئ في العراق في الواقع يُعتبر مسيّر ليس مخيّر فهو يُشغَل بما لا يهوى ولا يستفاد ويُرغّم عليه.
ولا زالت المدارس تستغفل حاجتها لمواكبة الحاضر والمستقبل،فعليها أن تضمن إن أفرادها متمكنين بإدارة شؤونهم وتدبر مسؤولياتهم بالكامل، فإن دراسة الاقتصاد المنزلي او كما تعرف بالتدبير المنزلي تعتبر حاجة ضرورية والتي تحارب عادة الاتكال حصراً على نساء العائلة في تدبير شؤون جميع أفراد عائلتها بتمكن الأفراد من تدبر حياتهم وظروفهم والسيطرة عند الطوارئ.
ومن المعايير التي يجب مراعاتها هي التنشئة الاجتماعية في البيئة المدرسية حيث يجب تأسيس العلاقة بين المعلم وطلابه كتعلّمهم معاً في رحلة نشأة الطلبة ،وليس بتعليم المعلم للطالب فقط،فمبدأ التعلم المستمر مدى الحياة يُغرس في المعلم ليستلهمها الطلبة المتعلمين منه،وذلك بتداول الحوارات والنقاشات في ما بينهم والمشاركة في الأعمال المدرسية وتطبيق الانشطة معاً،استبدالاً لعلاقة المعلم بالطالب السائدة بكونِ المعلم هو السلطة التي تفرض الأوامر والالتزامات على الطلبة وتحاسب عليها واكتفاءه بدوره كموظف مدرسي يؤدي المطلوب منه،فإحداث التغيير في نفوس الطلبة يتطلب من المعلم أن يكون أول المبادرين وأكثرهم نشاطاً في مختلف الفعاليات الجماعية،كون الناشىء يكتسب مفاهيمه ومهاراته من محيطه الاجتماعي بعد انخراطه بالنشاطات التفاعلية مع الشخصيات المؤثرة،وان النشاطات الجماعية تنشئ البيئة الأفضل لممارسة السلوكيات والمفاهيم التي أُكتُسِبت حديثاً،ولضمان تطوير وتنمية نتائج تفاعل الطلبة فيما بينهم يجب التركيز على قلة حدة التوتر ما بين الطلبة فيُطالب الارشاد التربوي بزرع المفاهيم التي تؤمن بتساوي الطلبة بمختلف فئاتهم ومستوياتهم الدراسية ومحاربة المفاهيم السائدة لدى المجتمع وتسود في البيئة المدرسية التي تحث على تقدير الطلاب المتفوقين ونبذ ما عداهم وتعريضهم الدائم للإهانات ليصل بهم الحال إلى فقدان أملهم بالتميّز وعدم رغبتهم على مواكبة التعليم،ويتعرضون للتفرقة والتنمر مِن الطلبة الذين يُعاملون باحترام،اذ يقوم المدرس في صفوفنا باهانة احد الطلبة وتعنيفه وتعريضه للسخرية وسرعان ما يمدح اخراً ليقارن بين الاثنين،فتنطبع هذه الصور لدى الطلبة خصيصاً لدى طلبة المراحل الابتدائية لتكوّن فروقات اجتماعية بين ابناء الصف الواحد والتي بدورها تشتت العلاقات الطلابية فيأتي المعلم في كل مرة ويُفاقم الوضع ويزداد التباعد فيما بين الطلبة.لينشئ البعض جلادين والبعض الاخر مضطهدين،وبذلك تمكنت سلطة التمجيد والاحتقار من التخييم على أروقة المجتمع.
ويمكن القول إن الخلل في موازنة المنهج العلمي مع عدد ساعات الدوام هو أحد أهم أسباب رداءة جودة النظام التعليمي في العراق،إذ لا تكفي 40 دقيقة (وهي مدة الدرس الواحد) على اتمام جميع متطلبات التعلم،كتفهيم الموضوع وتصوره ومناقشة المعلومات مع الطلبة لتنمية مهارات التفكير النقدي والتفكير الإبداعي لديهم،وكذلك تحفيز عملية التعلم بعرض الفيديوهات والصور الناقلة للحدث أو التجربة العلمية و ايضاً إجراء التجارب وعمل الانشطة الممتعة للحصول على نتيجة تثبت الحقائق والمعلومات المتلقاة،كل هذا يُصعب تحقيقه بالفترة الممتدة من السابعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً بمعدل 7 دروس علمية كل يوم! فنتيجة الظروف والأوضاع التي تعدم القيم والمبادئ العلمية،يُصعب على المعلم تقديم الدرس متّبعاً طرقاً تحث على تحليل واستيعاب المعلومات وتطبيقها فيلجأ المعلم لاسهل الطرق وهي قراءة الموضوع شفهياً وتلخيص متطلباته للامتحان وفرض واجبات منزلية على الطالب تتطلب حفظ المعلومات من دون أن يكون فهم المعلومات وتطبيقها وإجراء التجارب المادية عليها فارقاً كبيراً لنجاح الطالب،إذا يمكن عد الطالب ناجحاً (بمعنى ملمّاً بالعلم والمعرفة)دون الحاجة لاثبات امكانية الطالب على تطبيق معرفته عملياً،إذ يَعتبر النظام التعليمي إن الإجابات الموضوعة في المناهج والمفروضة على جميع الطلبة قياساً لامكانيات الطالب إن نقشها بشكل دقيق في الامتحان، وبهذا انعدمت الحاجة لوجود مختبرات علمية و مكاتب مدرسية لانعدام فائدة الطالب منها في مسيرته العلمية اضافةً إلى كون جدول الطالب الكثيف والمتراكم المصاحب بالقلق والمشاعر السلبية قد لا يوفّر الوقت الكافي للطالب لممارسة الانشطة والفعاليات داخل المدرسة أو حتى المشاركة في نوادي القراءة التي قد تكون نادرة أو معدومة بسبب التركيز التام على ضمان الوقت للحفظ والالتزام بالمناهج المقررة، ان سير العملية التعليمية بهذا الشكل قد غطى على تجاهل الحكومات المتعاقبة بأهمية إعمار مدارس بتقنيات حديثة تتناسب مع متطلبات التعليم الحديثة وخلق بيئة مناسبة صحّياً ونفسيّاً للتعلم وإنشاء أفراد أسوياء صحيّاً ونفسياً.إذ بحسب منظمة اليونيسيف فإن واحدة من بين كل مدرستين في العراق بحاجة لإعادة إعمار بجانب النقص الكبير في أعداد المدارس المصاحِب للإزدياد الهائل بأعداد سكان العراق الذي قد أدى إلى اضطرار المدارس بالعمل بنظام دوام مزدوج(بواقع مدرستين في بناية واحدة وقد تصل في بعض المناطق إلى ثلاث مدارس في بناية واحدة) .وبحسب اليونيسيف فإن معدل نجاح الطلاب في الفترات الصباحية تبلغ 92% بينما تبلغ معدلات نجاح الطلاب للفترات المسائية 72% .على الرغم من المدارس التي بحاجة الى إعمار قد استمرت باستيعاب الطلبة وبرغم أن البنايات (التي قد تصلح لكونها بنايات مدرسية) استوعبت من مدرستين الى ٣ مدارس،فهذا لن يكن كافيا اذ تغلب على المدارس العراقية احتواء الصف الدراسي الواحد على 30-50 طالب يتواجدون في صفوف ضيقة المساحة صممت لاتساع اقل من 25 طالب.تختلف معايير البيئة المدرسية الناجحة اختلافاً كبيراً عن ما هو الحال في العراق فكون تراكم أعداد الطلبة داخل الصف مؤثراً في جودة ورصانة الأهداف التعليمية والتربوية ،فصعوبة النظر والاستماع لدى الطلبة وعدم القدرة على التركيز بسبب الضوضاء الحاصلة من تزاحم الطلبة وايضاً لانقطاع التيار الكهربائي أثراً ولضعف وانعدام الإنارة وعدم توفير درجة حرارة مناسبة لمختلف الفصول فكل هذه عوامل مشتتة للطالب يصعب على المعلم السيطرة عليها لتحقيق انجازاتٍ علمية تُخلد في نفوس طلبته مما اقتضى الأمر بانعدام المسؤولية العلمية للمعلم العراقي وتجاهل الطلبة والمجتمع لهذه المشاكل المتفاقمة.
ان انجازات النظام التعليمي هي إيهام المجتمع بملئ الفراغ الكبير والتخلص من ضياع الوقت الحاصل لدى الأطفال والشباب بالدراسة المهلكة حتى وان لم تقدم شيئاً مادام المطلوب هو (التوهم بتحقيق انجاز).نتيجة تجاهل المجتمع لما يمكن لهذه الفئات إنجازه واستثمار طاقاتهم بالأنشطة والأدوار القيادية والادارية التي قد يأهلون بها،مع تفويت الفرص للتفوق في الفنون والألعاب الرياضية.و الاصحّ تعبيراً قد غيّب دور الأنشطة اللامدرسية واقتصرت حياة الطالب على التفوق العلمي لإيجاد التفوق في الحياة العملية بسبب الظروف القاهرة التي مر بها المجتمع التي قَوْلبت الاهداف وحثت الناس للسعي لإيجاد حياة كريمة مهما كلفها الأمر من طاقة ومهما حرمها من لذة الحياة،ليتحول التعليم في العراق من رحلة تهدف زرع بذور القيم الإنسانية لتسمو وترتفع بشأن الإنسان الى مكاسب ماديّة واجتماعية في العراق!فلم يعد لقضية النزاهة العلمية اثراً فارقاً في حين انخرط العقل الجمعي وخضع لانعدام المصداقية في التعليم ولم تعد لمقدار المعرفة وكيفية طرحها وتقديمها أهمية، ما دامت اردئ المعلومات التي تُقدم بأكثر الطرق استهلاكاً وتحطيماً للطالب،هي التي تضمن خرافة التفوق في العراق.
الكاتب / مريم فرزدق
التدقيق والتحرير / فرح منير
References: