كيف نشأ الكون ؟ وهل له بداية اصلا ؟
ان مسالة نشأة الكون مسالة قديمة قدم الوعي البشري اذ برزت حالما استدرك الانسان أن وجوده لا يمكن ان يكون عبثا . فلا بد أن يكون في مكان له هيئة وشكل و هناك شيء يتواجد فيه أم هو في اللامكان ؟ وعلى ما كان الإنسان عليه من بساطة التفكير و بدائية الاستنتاج وكان لا يعرف سوى الصيد والكفاح من أجل العيش في ظروف قاسية تحيط به من كل مكان . نسج من خياله أساطير كثيرة عن نشأة الأرض و الكون والسماء والحياة ليشفي بها غليله ويطفئ نار فضوله .
وليكون له فكر واعتقادات . فنشأت أفكار وخرافات حول وجود الارض والسماء ومعناهما . فكانت اولى التصورات تخيلها الانسان البدائي أن الأرض قبة طافية على سطح الماء وتصور السماء سقفا عاليا تتأجج من ورائه نار عظيمة . أما النجوم فليست سوى ثقوب في ذلك السقف تتلألأ بأثر تلك النار . وتركت الشعوب القديمة والحضارات السابقة تصورات واعتقادات التي قد تبدو مضحكة او عجيبة في يومنا هذا . فقد تصور الهنود القدماء ان الارض اشبه بقوقعة عظيمة على ظهر اربعة افيال عملاقة تقف على ظهر سلحفاة . على الرغم من بدائية هذا التصور وسذاجته إلا انه لا يخلو من معان ومعارف قيمة أهمها الشعور بكروية الأرض وتحدبها وإلا لما اختار الهنود القوقعة . والثاني المعرفة بأن اليابسة محاطة بالماء من جميع أطرافها . وايضا اعتقد الروس ايضا أن الأرض قرص يطفو في الماء تحمله ثلاث حيتان عظيمة . ونلاحظ الحيز والمكانة التي تأخذها الحيوانات الكبيرة منها في التجسيدات المختلفة لما كانت مبهرة لهم . وعلى عكس الهنود هذا التصور البدائي شحيح بأي معلومات يمكن استنباطها . وتصور زنوج افريقيا القدامى أن الأرض تسقط كل ليلة عند الأفق الغربي إلى العالم السفلي فتدفعها فيلة كل يوم إلى اعلى المنحدر لتضيء الشمس من جديد . ومن اللازم عند ذكر الحضارات والشعوب القديمة فلا بد ان تأخذ الحضارة البابلية حيز كبير وذكرا حميدا . لقد كان البابليون أكثر الحضارات تقدما في علم الفلك . وكان كهنة البابليون يقومون برصد الأجرام الفلكية من اعلى برج بابل وفي تسجيلاتهم التي نجت قد ذكروا حركات الشمس والقمر والكواكب السيارة ورسموا مدار الحركة الظاهرية للشمس واحصوا الفترة الزمنية للشهر القمري وقسموا الشهر الى 4 اسابيع . وتصور البابليون ان الكون يتألف من مركز ثابت وهو الأرض والتي على شكل جبل يحيط به الماء وجبلان في الشرق والغرب يحملان السماء ويمنعاها من السقوط والسماء على شكل قبة تكون فيها النجوم والشمس والقمر يدورون فيها . إن التصور البابلي تصور يشير إلى الابداع في الاستنتاج العلمي وليس التفسير الخرافي مثل الحضارات السابقة . فلم تكن حيوانات تحمل الارض ولا تدفع الشمس . انما تفسير على أساس ما يرونه من الارض . وعلى اغلاطه إلا أنه يعتبر تفسير منطقي جدا . ومن خلال هذه التصورات يتضح ان عقائد الإنسان القديم كانت تتأثر تأثرا مباشرا بالأشياء المحيطة به ومن خبراته اليومية . لذلك إن اكتشاف الإنسان للمنهجية العملية لم يكن سهلا ومباشراً بل كان على مراحل عدة طويلة . اهتدى الى ما يبدو انه الطريق الصحيح لاكتشاف العالم .
التصور العلمي الحديث عن نشأة الكون :
الى حد القرون الاخيرة السابقة كان هناك تفكير شائع بأن الكون ليس له بداية في الزمان اصلا فهو قديم أزلي . اي يعني ان هذا الكون لم توجد لحظة معينة وجد فيها فهو موجود دائما بلا بداية . إن هذه الفكرة قديمة جدا واول من قال بها هم فلاسفة اليونان واشهرهم أرسطوطاليس . واشهرهم في الحضارة الاسلامية ابن رشد والفارابي وابن سينا وغيرهم . وكان هناك فرق أيضا تقول عكس ذلك . ومن أبرز النقاشات التي دارت حول هذا الموضوع هي بين الغزالي وابن رشد .
لكن لم يستطع أي من الفريقين أن يثبت صحة كلامه بأدلة رصدية قوية كما الان انما فقط عقلية .
رسمة قديمة يقال أن من فيها ابن راشد
وحتى ظهر العلم الحديث والتمكن من عمل الأرصاد وبناء النظريات
عليها والى ما ذلك . حتى نهاية القرن التاسع عشر كان تصور الفلكيون أن الكون عبارة عن هذه الجزيرة النجمية المسماة بدرب التبانة .وفي القرن العشرين اكتشفوا ان هناك مجرات اخرى تشبه مجرتنا واكبر . وفي هذه الأثناء كان قد طرح اينشتاين النظرية النسبية العامة . وعلى أن الكون مؤلف من شبكة وعند وجود كتلة على هذه الشبكة تنحني فتنتج الجاذبية . لكن إذا كان كل الكون عبارة عن شبكة فلا بد أن ينهار على نفسه مع وجود كل هذه الكتل . فلم يعجب الموضوع اينشتاين ولم تكن هذه الفكرة متوافقة مع النظرة السائدة آنذاك والتي هي أن الكون ساكن .فأضاف الى المعادلات شيء يدعى بالثابت الكوني والذي يعاكس هذا الانكماش ليحقق الاستقرار. فلم يعجب هذا الكلام بعض العلماء فنحن لا نتلاعب بالفيزياء فلمعادلات لا تتبع أهواء أحد إنما يتم مطابقتها بالرصد فيتبين أي من الاحتمالات صحيح .
إما أن الكون يصغر او ان يتوسع ، مثل البالون ولابد ان هناك نقطة انطلق منها التوسع .
الى الان هي فقط معادلات صماء لا دليل عليها . حتى جاء الدليل الأول حيث كان أدوين هابل يدرس الضوء القادم من المجرات البعيدة وهذا الضوء الآتي من المجرات عندما نفككه إلى الوان عن طريق تحليل الاطياف ، نلاحظ أن الضوء قد انحرف الى الاحمر قليلا لكن الغريب أن كل الالوان كانت قد انحرفت . إن اللون الذي نراه عبارة عن موجات كهرومغناطيسية ضوء عادي وكلما قصر الطول الموجي مال إلى اللون الأزرق وكلما كانت الموجة منفردة اصبح اللون أكثر احمراراً . ويدعى هذا تأثير دوبلر . اذا لو ان هناك مجرات بعيدة قادم منها ضوء وكان الكون يتمدد ويتوسع سوف تتمدد الموجة الضوئية وهيا بطريقها اليك حتى تصل اكثر احمرارا وهذا التفسير يطابق لما وجده هابل.
تأثير دوبلر
ولاحظ هابل ايضا ان مقدار الاحمرار يزداد مع بعد الجسم المرصود لذلك وجد هابل ان الكون يتوسع . ولا بد أنه في مرحلة من المراحل كان صغير جدا لدرجة انه كان نقطة بدا منها كل شيء وهذا ما يسمى بالانفجار العظيم . وفي عام 1965 تم اكتشاف الخلفية الاشعاعية الكونية الميكروية . وببساطة عندما كان الكون صغير لا بد وأنه كان ساخن جدا لدرجة ان الذرات لم تكن تستطيع التشكل ومن درجة الزحام الشديد لم يكن الضوء يستطيع التحرك بشكل صحيح فكان يتخبط هنا وهناك ولكن عندما وصل عمر الكون الى 300000 الف سنة هبطت الحرارة الى 3000 درجة وتشكلت الذرات وخفت الكثافة فاصبح الضوء يمشي في ارجاء الكون وبقي الكون يبرد وبقي هذا الضوء يتحرك . وقد تم رصد هذا الضوء في الاكتشاف هذا فكانت هذه بمثابة ادلة احفورية قادمة من الماضي تخبر على أن الكون بداية من خلال دراسة هذا الضوء . وكانت ولادة عظيمة . ومن خلال هذا التوسع جعل الكون يبرد ويبرد وسمحت للذرات بالتكون والتي كونت نجوم ومجرات وحول هذه النجوم كواكب يكون عليها بشر يفكرون ويكتشفون ويتكلمون عن بداية هذا الكون . وعلى صغر حجمه إلا أنهم استدركوا مدى حجم هذا الكون بعقولهم .
الكاتب / غيث ثامر
التدقيق والتحرير / مريم عقيل
المصادر:
كتاب , صيرورة الكون : مدارج العلم ومعارج الايمان