البشرية بين الطفولة والعُنف
إن التاريخ ملئ بالحروب والصراعات التي يندفع فيها الإنسان نحو مصالحه عبر طرق غير إنسانية , كما أن الكثير من الأفراد يجدون مبررات كافية لعنفهم النفسي والجسدي الذي يسببوه لمن تحت سلطتهم ,تحت ذريعة أن الإنسان ولدت معه طبيعته الوحشية منذ الطفولة , وفي هذا المقال سوف نتعرف معا على هذا تناقض للبشرية بين الطفولة والعنف.
البشرية بين الطفولة والعُنف
هل نولد أبرياء كما يظهر على ملامح طفولتنا أم إنها قِناع يختبئ تحته دوافع العُنف والاستبداد؟
هل البشرية أبرياء من أفعالهم المتوحشة أم الحروب تظهر معدنهم المُختبئ خلف حدود براءتهم؟
ولو امتلكنا السلطة وقدرنا وجود العقاب هل سوف نستمر كما نحن مُسالمون وطيبون؟
إن العُنف ظاهرة إنسانية تعني الاستعمال المتعمد أو التهديد باستعمال القوة أو السلطة ضد الذات أو ضد الغير أو ضد مجموعة مما يُؤدي إلى ضرر جسدي ،مادي ،معنوي أو إلى الموت أو إلى الحرمان بكل أنواعه.
فإن البشر لم يتوقفوا عن قتل بعضهم منذ إن وجدوا على الأرض ولقد ورثوا العنف من أسلافهم كصراع من اجل البقاء بسبب طبيعة الحياة آنذاك.حيث اكتشفت الدراسات الحديثة أن البشر تطوروا مع مرور الزمن وهم لديهم الميل للعُنف وقتِل بعضهم و توصلوا إلى أن عدد الوفيات الناجمة من قتِل البشر لبعضهم بَلغتْ نسبتها 2% من إجمالي وفيات البشر في حين إن هذا المعدل هو اقل بكثير من أعلى رقم موجود في احد الحيوانات الثدية في حين إن العديد من الحيوانات لا تقتل بعضها البعض إلا نادرا كمثال النمور بالرغم من شراستها إلا أن معدل القتل بين بعضها البعض نسبتهُ 0.88 % وبذلك تصبح البشرية أكثر قُربًا من الحيوانات الثدية التي تمارس العُنف.
وبهذا نطرح السؤال التالي…هل كان الإنسان البدائي أكثر وحشية من الإنسان الحديث؟
فبعد نشأت الإنسان وقبل أن يتعلم التواصل كان يُصارع من اجل البقاء وكانت دوافع العنف مُقتصرة على الشعور بالتهديد من وجود الآخر وبعد تعلم التعاون مع الآخر لاستمرار الحياة أنحصر دافع العنف وبدأت تتكون مجتمعات صغيرة ومع تطور الزمن ونزول الأديان وظهور الصراعات الدينية تطور معها العنف ومحاولة السيطرة.وأما في عصرنا هذا ومع تسارع الحياة وتطور أدوات الحرب وظهور الصراعات السياسية أصبحت دوافع العنف متنوعة سياسية, اجتماعية و دينية وازدادت الحروب وأثارها لنفسية.و معًا سوف نتعرف إذا كان العنف ينتج من توارث جيني أم أيضًا سلوك اجتماعي.حيث اثبت العلِم تأثير عدد من الجينات الذي يفرز إنزيمات تقوم بتكسير النواقل العصبية وبحالة )MAO( على الميل نحو العنف لدى الأفراد ومن أهم هذه الجينات جين زيادة هذه الإنزيمات تصبح النواقل العصبية قليلة وإذا كان هناك نقصان فيها سيحدث زيادة في النواقل العصبية فيجب وجود توازن في الأنزيمات حتى لا يحدث مشاكل نفسية لدى الإنسان حيث نسبه كثيرة من الذين لديهم خلل في هذا الجين يزداد لديهم العنف.كما إن السنوات الأولى لعمر الطفولة والأسرة الدور الكبير الذي يصقل هذه الجينات.ووجود الدافع الأخلاقي والتربية السليمة منذ الصغر, فكيف لنا أن نتصور أن الأسرة أصبحت منبعًا للعديد من الآفات الاجتماعية وكيف لنا أن نتصور أطفالًا يعتقد أنهم أبرياء و لا ينتظرون من الحياة سوى ما يشبع جوعهم الفيزيولوجي و ظمأهم العاطفي تحولوا إلى مجرمين محترفين و لا يضيعوا فرصة ليعبروا فيها عن وحشية كان يفترض أنها مُلغاة أو على الأقل كامنة في طبيعتهم؟!!ومن المهم اعتماد تربية مستقلة تُقلل الانتماء للجماعة والانسياق نحو تجمعات تمارس العُنف دون دراية وبدافع العواطف المشحونة حيث أن المجتمع له دور كبير بتحديد إمكانية وجود هذا العُنف لديهم من خلال طبيعة الحياة التي يعيشها أفراده وعاداتهم المتوارثة.وان دماغ الإنسان مبرمج على القدرة على التقليد، حيث تساعدنا هذه المهارة على المراقبة والتعلم، ومن خلالها يتعلم الطفل معظم سلوكياته,فمتى ما تكون في تجمع بشري عام ويبدأ الحشد بفعل جماعي يعبر عن شعور ما يدفعك الدماغ إلى مشاركتهم المشاعر بشكل فوري والضحك أو التشجيع أو حتى البكاء معهم، وكأنما السلوكيات والتعبيرات الناتجة عن مشاعر معدية بطبيعتها.وأيضا التكنولوجيا الحديثة ومشاهد العنف لها دور سلبي على طبيعة الأشخاص حيث أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك صلة بين السلوك العدواني والتعرض للعنف أو مشاهدة العنف وانه الشخص يتعاطف مع مشاهد العنف مع الضحية و يصطف معه مما يفرض عليه التصرف بعدوانية هو شخصيًا،ويكون العنف مستساغًا أكثر إذا تم تقديمه من خلال بطل القصة المنتصر والأطفال أكثر الناس عرضةً لآثار مشاهدة العنف السلبية، سواء كان ذلك في المنزل أم المجتمع أم بمجرد رؤيته على وسائل الإعلام، وتتضمن هذه الآثار خفض حساسية الأطفال تجاه معاناة الآخرين و التصرف بعدوانية.كما إن السلطة التي يمتلكها الأفراد والتي تخولهم بارتكاب العنف لها دور كبير كما أثبتت التجربة المشهورة في علم النفس التي قام بها العالم ملغرام كان الهدف من الدراسة قياس مدى استعداد المشاركين لإطاعة سلطة تأمر بتنفيذ ما يتناقض مع ضمائرهم من خلال تعريض مجموعة أشخاص للسيطرة من أشخاص آخرين خولوا بممارسة العنف النتائج ترجح أن الطبيعة البشرية غير جديرة بالاعتماد عليها لتبعد الإنسان عن القسوة، والمعاملة اللاإنسانية، عندما تتلقى الأوامر من قبل سلطة فاسدة فنسبة كبيرة من الناس مستعدون لتنفيذ ما يؤمرون به دون حدود يفرضها الضمير، مادامت الأوامر صادرة عن سلطة شرعية وبما انه امنوا العقاب ومن الذي توصلنا إليه أنه رغم الجينات والحروب والجو الاجتماعي لا يمكن الاستناد على العُنف كطبيعة للحكم على مصير البشرية حيث إن الفضيلة والجانب الإنساني متعمق في العديد من المواقف البشرية ويمكن تقويم هذا الدافع من خلال الإعلام والمؤسسات الحكومية والتوعية النفسية ومن خلال عواطفنا البشرية التي تمثل جزء لا يتجزأ من حاجتنا للحُب ,الأمان والإحسان للمخلوقات.
الكاتب / آية حسن
التحرير والتدقيق / مريم عقيل
المصادر :
كيف تطورت غريزة القتل والعنف الدموي لدى البشر؟
تأثير المشاهد العنيفة والدموية علينا نفسيًا وسلوكيًا
The phylogenetic roots of human lethal violence
Humans evolved to have an instinct for deadly violence, researchers find
How Human Violence Stacks Up Against Other Killer Animals
[…] أنظر ايضاً: البشرية بين الطفولة والعنف […]