رجال بأجنحة : رحلة ايكاروس وديدالوس وابن فرناس في السعي من اجل الحرية
خلد التاريخ اسماءا قاموا بمحاولات طيران بعضهم للهروب ونيل الحرية والبعض الاخر اراد ان يحقق رغبة او ان يثبت للبشرية اجمع ان لا يوجد هنالك شيء يقف في وجه رغبات الانسان.
رجال بأجنحة : رحلة ايكاروس وديدالوس وابن فرناس في السعي من اجل الحرية
عندما نشاهد الطيور تحلّق عالياً دائماً ما يخطر في بالنا أن نحلق مثلها عالياً كي نرى العالم من فوق ونستكشف الأراضي البعيدة. تجربة الرَّفرفة بجناحين والطيران تعدُّ ضرباً من الحرية أي أننا سنكون احراراً من القيود الأرضية. وأيضاً ترمز الى طموحاتنا وأسقف أحلامنا العالية. كثيراً ما تراودنا تلك الأفكار عن الطيران لكنّنا لم نتجرَّأ ونجربها يوماً، مع العلم بأنّنا نرغب في أن نشعر بنسيم الرّياح يداعب خصل شعرنا وأن ندع الهواء يدخل الى رّئتينا. كنّا نرى هذا ضرباً من الخيال لكن في الواقع هناك أناس كان لهم نّفس تلك الأحاسيس التي تراودنا لكنّهم حوّلوها إلى واقع وتجرأوا على أن يطبقوا تلك النظريّات التي كنّا نحن نفترضها.
بدأت الفكرة في بادئ الأمر من قصص واساطير الحضارة الإغريقية مروراً بالأندلس. وقد سجّل التاريخ محاولات رجالٍ اثبتوا لنا أنّ من الممكن أن تتحول افكارنا وتخيلاتنا إلى حقيقة.
ايكاروس وأبن فرناس :
قصة إيكاروس هي إحدى الأساطير اليونانية التي تبهر الجماهير بسبب رغبته في تجاوز الحدود البشرية والعواقب المأساوية التي أحدثها ذلك.
تحكي حكاية ديدالوس وإيكاروس في الأساطير اليونانية قصّة أب وأبن استخدموا الأجنحة للهروب من جزيرة كريت.
ترتبط أسطورة إيكاروس الأسطورية ارتباطاً وثيقاً بعدد من الروايات الأخرى التي تتمحور حول جزيرة كريت. المكان الذي عمل فيه ديدالوس حِرفياً وقام ببناء متاهة لإبقاء مينوتور المخيف تحت السيطرة.
يبدأ السقوط المأساوي لإيكاروس مع والده، في الواقع، كان هو الشخص الذي يعاني ويدفع ثمن جرائم دايدالوس.
عمل والده ديدالوس حِرفيّاً في أثينا، جنباً إلى جنبٍ مع متدرب ماهر يُدعى تالوس. في لحظة من الغضب والغيرة، دفع ديدالوس تالوس عن صخرة الأكروبوليس لكنّه لم يتمكن من قتله.
حوّلت الإلهة أثينا المتدرب إلى طائر لإنقاذه بينما أُجبر ديدالوس، المتّهم الآن بالقتل، على البحث عن ملجئ في جزيرة كريت.
كان أبو القاسم عباس ابن فرناس ابن ورداس التكوريني، المعروف بإسم عباس بن فرناس، مخترعاً ومهندساً وطياراً وطبيباً وشّاعراً عربيّاً وموسيقياً أندلسياً عاش في إمارة قرطبة (إسبانيا حالياَ)، اشتهر بكونه أوّل شخص نجح في إثبات طيران مُتحَكَّمٍ به للإنسان.
ولد إبن فرناس عام 810 في إزن رند أوندا، التي كانت جزءاً من خلافة الأندلس في قرطبة. يقع هذا اليوم في روندا بإسبانيا، والتي كانت منطقة يهيمن عليها المسلمون. كان من أصل شمال أفريقيا، من أصلٍ بربريٍّ واسمه مشتق من كلمة “أفرناس”.
درس الشَّابّ عباس الطبّ وعلم التّنجيم ولكنّه كان أكثر اهتماماً بالهندسة وصنع اختراعاته الخاصّة. كما كان مولعاً بالموسيقى الأندلسية الكلاسيكية والشّعر العربيّ.
عندما كان طفلاً، كان فضولياً للغاية وأحبّ فتح الأشياء وإعادة تجميعها معاً. كان جيداً في استخدام يديه واستمتع أيضاً بالموسيقى. كان متحمساً لمشاهدة أي حدث في حيِّه.
لا يُعرف سوى القليل جداً عن حياته العائلية حيث لم يتمَّ تسجيل سيرته الذاتية في ذلك الوقت.
فكرة الطيران :
بمجرَّد وصوله إلى جزيرة كريت، بدأ ديدالوس حياة جديدة بالعمل في قصر الملك مينوس. تزوّج نوكرات وأنجب إيكاروس، بموجب أوامر الملك مينوس، طُلب من دايدالوس بناء مساحة قادرة على احتواء مينوتور. لكن بدلاً من الخروج بزنزانة سجن، قرر ديدالوس أنّ متاهة معقّدة ستكون أفضل مكان لإخفاء الوحش.
لقد كان بناءً مثالياً لدرجة أنّ أولئك الذين دخلوا المتاهة لم يتمكنوا من المغادرة أبداً.
ومع ذلك، كان وجود مينوتور سّرَّاً لمعظم سكان الجزيرة، ورغبةً في أن يظلَّ الوحش سّرّاً، قام الملك بحبس ديدالوس وعائلته حتى لا يتمّ الكشف عنه أبداً.
بمكرٍ، ابتكر ديدالوس فكرةً للهروب لا تتطلب المرور عبر البرِّ أو البحر. كانت الطريقة الوحيدة الممكنة لمغادرة الجزيرة هي القدرة على الطيران.
وهكذا، بدأ ديدالوس في جمع الريش من الطيور والذي حوَّله فيما بعد بمكرٍ إلى أجنحة مثبّتة مع الشّمع. زوج واحد من الأجنحة سيكون له والآخر لإيكاروس، ابنه.
اما ابن فرناس فقد تأثّر بأرمن فيرمان، الَّذي حاول الطيران في عام 852 بالقفز من مئذنة المسجد الكبير في قرطبة، مرتدياً أداة مصنوعة من إطار خشبيٍّ وحرير. أدَّت الأداة الغريبة إلى تثبيط سقوطه ونجا أرمين بإصابات طفيفة مما قد يُشار إليه على أنّه أوّل محاولة بالمظلة في العالم.
شهد فرناس القفزة ومضى لإجراء دراسة علمية لأوجه القصور في مسار رحلة الأرمن. بعد ثلاثة وعشرين عاماً، في عام 875، صنع آلة الطيران الخاصة به من إطار من الخيزران مغطى بقطعة قماش حريرية بها ريش نَّسر حقيقيّ. كان لآلته أداة تسخير، حيث يمكن تعليقه والتحكم في حركة الأجنحة. استغرق فرناس وقتاً طويلاً لإكمال دراسته عن الطيران وإرضاء نفسه بشأن موثوقية أجهزته. أخيراً في سن السبعين قرّر القفز من جرف في تلال جبل العروس لإثبات اختراعه.
القصة المأساوية لسقوط إيكاروس وابن فرناس:
عندما حانت لحظة الهروب، حذَّر ديدالوس إيكاروس من الطيران قريباً جداً من الشمس. لكن الصَّبيَّ العاص لم يستمع لوالده وسقط في البحر، عندما اقترب الشّمع من جناحيه من الشمس، ذاب وانهار.
كان إيكاروس هو الشَّابُّ الَّذي سقط من السّماء عندما ذاب الشَّمع الذي ربط جناحيه بجسده بفعل حرارة الشمس. يمكن رؤية هروب إيكاروس تحت ضوء التوازن والاعتدال. حلٌّ وسطٌ بين خطر الطيران عالياً جداً، وبالتالي إذابة الشمع بالشمس. أو انخفاض شديد، مما يثقل الأجنحة برذاذ الماء.
عندما قفز ابن فرناس من جرفٍ في آليته الطائرة المصنوعة من إطارٍ من الخيزران مغطى بقطعة قماش حريرية وريش طائر، دعا الجمهور لمشاهدة الحدث وأخبرهم أنّه إذا كان اختراعه ناجحاً فسوف يعيش ليخبرهم عنه. وفقاً للشهود فقد أنجز رحلةً استغرقت 10 دقائق تقريباً برفرفة جناحيه لأعلى ولأسفل. لسوء الحظ ، لم ينجح في الهبوط وضرب الأرض بقوة مما أدى إلى إصابات خطيرة في ظهره.
وقد عاش 12 عاماً أخرى بعد رحلته واستكمل دراسته في الطيران. على الرغم من أنه لم يقم بمحاولة أخرى للطيران، فقد درس أوجه القصور في هبوطه وتوصَّل إلى استنتاجٍ مفاده أنّه بالإضافة إلى الأجنحة، هناك ضرورة لوجود ذيلٍ يقوم كالدفة للتحكم في الطيران.
يقول البعض أنّ حياته تباطأت بعد إصابته خلال رحلته الأولى. ومع ذلك، ظلَّ عقله نشطاً وحوّل انتباهه عن القيام بأشياء جسدية إلى وضع تجاربه على الورق.
تجربته هذه بقيت علامة مهمّة وألهمت الكثيرين ليواصلوا هذا المشروع الهام في سبيل أن يرتاد الإنسان آفاق الفضاء ويصنع الطائرات الحديثة والمسبارات الفضائية.
بينما تحذِّر مغزى اسطورة ايكاروس من البحث غير الضروري عن الرضا الفوري، بطريقةٍ تكمن وراء فكرة السفسروسين (اليونانية: σωφροσύνη)، وهو مصطلح يرمز إلى العقلية الصحّيّة، مما يعني ضِّمناً ضبط النَّفس التي تسترشد بالمعرفة والتوازن.
الكاتب / فهد صلاح
التدقيق والتحرير / نور علي
المصادر :
عدنان، محمد عبد الله (1997). دولة الإسلام في الأندلس، الجزء الأول. مكتبة الخانجي، القاهرة.
زركلي، خير الدين. الأعلام: قاموس تراجم لاشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمشتشرقين. صفحة 10
Smith, William (ed.). A Dictionary of Greek and Roman Biography and Mythology.
Graves, Robert (1955). “92 – Daedalus and Talus”. The Greek Myths. ISBN 0-14-007602-6.
Pinsent, J. (1982). Greek Mythology. New York: Peter Bedrick Books.