الحوت 52

صاحب لقب الحيوان الاشد وحدة في العالم من مجله نيويورك تايمز تعرف على قصته ولما لم تجب اي من الحيتان على ندائه الصاخب لاكثر من ٤٠ عاما حتى اليوم !

0

 الحوت 52

 

لابد انك كنت يوماً في ذلك الكابوس حيث انت وحدك في العالم تصرخ ولا يسمع احد صوتك وتنتفي قدرة الاخرين على استشعار وجودك كأنك تغرق في خوف لزج بلا نهاية حتى تستيقظ وتعود للحديث مجدداً فتسمع وترى فتنجرف مخاوفك بعيداً. هذا الاحساس بالفزع لأنك كنت تشعر “بالوحدة” تلك المحنة او العاطفة البشرية التي اقترنت مع نشوء عملية التطور. وهو بالتحديد ما قد يحس به هذا الحوت الذي انجرف ندائه لأكثر من 30 عاما عبر البحار المفتوحة ولم يصغي اليه حوت واحد، مما منحه لقب الحوت الاشد وحدة في العالم.

فمع نشوء الحرب العالمية الثانية  قرر الجيش الامريكي التقدم على نظيره الروسي بعدة بحار، لا خطوات  تحديداً عن الطريق، غرس لاقطات سمعية خاصة  في اعماق المحيط لسماع اصوات الغواصات السوفييتية المعادية. ولأن المحيط مليء بالضجة وتحديداً بالحيتان التي كانت سبب الضجة في المحيط  بتواصلها عبر موجات صوتية غنائية الوقع مشكلة  مزيجاً من حوارات صاخبة. مقاطع صوتية مكررة تمتد للآلاف الاميال عبر البحار المفتوحة مشابهة لأصوات الغواصات مما عقّد المهمة على الأمريكيين لذا طُلب من عالم الاحياء البحرية ويليام واتكنس التدخل للمساعدة  في الفصل بين حنجرة الطبيعة ووقع غواصات العدو. وفي ذلك اليوم من عام 1989، حيث كان ويليام يقوم بالمعتاد، سمع لأول مرة نداء حوت فريد لا مثيل له اطلاقاً. اغنية تصل الى تردد 52 هرتز وهو اعلى من اي اغنية اخرى سجلت سابقاً حيث ان معدل اغاني الصوتية للحيتان الزعنفية هو 32 هرتز.

 

 

اغنية فريدة صاخبة وحيدة تتكرر دون سماع جواب من اي حوت اخر او منطقة اخرى فظل اللغز يدور وكثرت الاسئلة عن نوع الكائن وان كان حوتاً اساساً، بلا أي اجابة علمية مؤكدة او جواب لنداء الرفقة الذي يصدره هذا الحوت الذكر على الاغلب لكون الذكور هم حناجر الاغاني السمكية الواضحة الصريحة.

 

وبعد وفات العالم المكتشف نشر احد رفاقه اوراقه البحثية عن ما اسماه الحوت 52، او اللقب الذي اطلقته مجلة نيويورك تايمز الشهيرة الحوت الاكثر وحدة في العالم. حيث تفاعل العالم بشدة مع هذه القصة  من علماء، عامة ومهووسين لكون الحيتان حيوانات تعيش في وسط اجتماعي للغاية تتألف من جماعات كبيرة تسافر معاً وتتواصل بلهجات مختلفة بالإضافة الى كونهم غاية في الالفة حول الثديات الاخرى حتى البشر ولهم سلوكيات كالقفز وتبني الدلافين المنفية في مجموعاتهم لغرض الاستمتاع او العاطفة فأثبتت الدراسات انهم يمتلكون خلايا مغزلية تمكنهم من حمل مشاعر معقدة  كالتي نحملها نحن بالإضافة الى تركيب عقولهم الضخمة والمعقدة.

مما قد يدفعنا الى استنتاج ان الحوت 52 قد يكون وحيداً حقاً ويرجح الكتّاب ان تفاعل الناس مع هذه القصة عالمياً، كان لسبب او لآخر، اننا جميعاً كنا الحوت 52 في احدى الاوقات. فلابد ان كنا يوماً غرباء عن هذا العالم وحيدين دون ان نُفهم، نبحث عن من نكون او اين يجب، عن الوطن او من يشاركنا الوطن دون فائدة. او فقط اطفالاً بلا اصدقاء اثناء وقت اللعب يرانا الجميع ولا يلعبون معنا، لذا بدأ الناس بإصدار اغاني وقصص قصيرة جميعها تتناول ذلك الحوت الضائع الذي لم يعثر على الحب ابداً.

لكن كانت مساهمة العلم في هذا الجزء من القصة بأن الحوت قد لا يكون وحيداً بذات المعنى الذي اعتقده البشر فهو يرافق سرباً من الحيتان منطقياً ليتمكن من الوصول الى الغذاء وما يحدث انهم لا يستطيعون فهمه لا سمعه. فهو يُسمع وربما يُقبل من قبل الجماعة لكن لا يستطيع احد فهمه ليجيبه  لذا ربما هو يشعر بالاضطراب فحسب او انه في هجرة مستمرة لان الحيتان التي تعيش في المناطق التي تمشطها الناقلات البحرية الضخمة تفقد القدرة على سماع بعضها احياناً لدرجة انها تصدم بها دون ان تعي اذنها لذلك وسلوكهم يتفسر بالضياع ومحاولة الهرب لا الوحدة.

 

صورة توضح النقاط المحتملة  لخط  سفر الحوت 52

 

تُركت القصة حتى عام 2014 حيث نظم نخبة من علماء الحياة البحرية رحلة للبحث عن الحوت 52. ساهم بتمويل جزء عملاق منها ليوناردو دي كابريو، معتمدين على الترددات التي اثبتت السجلات تكررها لأغنيته الصاخبة على السواحل كاليفورنيا مرجحين انه ربما يتبع قطيعاً من الحيتان الزرق لتشابه خط هجرته بهجرتهم، اي الجنوب الغربي لساحل كاليفورنيا. استمرت الرحلة اسبوعاً كاملاً لكنها لم توفق في ايجاد مكانه الفعلي او التعرف على شكله لكن من الجانب الاخر للكأس اثبتت ابحاث جينية تمت لأحدى العينات المأخوذة من حوت مختلف يدور في تلك المنطقة  انه حوت هجين من الحيتان الزرقاء والحيتان الزعنفية فصيلة نادرة لم تشاهد الا بضع عينات منها دون ان يُعرف حقاً التردد الصوتي لأغانيها، مما يفتح السؤال هل ينتمي الحوت 52 اليها؟ والمحير اكثر انه في وقت متأخر من الرحلة الاصلية بعد وضع الناقلات الصوتية والمتتبعات على ظهور بعض الحيتان  سمع قريباً من ساحل سان دييغو نداءان متفرقان وبعيدان بأوقات متقاربة تكاد تكون ما هو صوت الحوت 52. لا يوجد استنتاج حتمي حتى الان لكن أيعقل ان لا يكون الحوت 52 وحيداً حقاً؟ اهو من فصيلة جديدة لم تكتشف بعد ام هو الاخير من نوعه؟ او انه لا يستطيع سماع الاخر المفترض بسبب ضجيج سفن النقل والناقلات الضخمة؟ فحتى عدة اكتشافات بتلك الرحلة تعكرت بسبب ضجيج سفن الشحن لا نعرف الجواب حتى الان لكن بالتـأكيد سيبقى الحوت 52 لغزاً وقصة سحرية عن ذلك الذي طاف البحر غير مرة بكل قوته باحثاً عن مكانه رفقائه وسبب وجوده ومن يدري ربما اختار هو وحدته في البحار المفتوحة.

 

الكاتب / دانيا علاء
التدقيق والتحرير / نور علي

 

المصادر : 

theguardian

nytimes

bbcearth

Leave A Reply