ردهة الأدمان
موادٌ تُسيطر على مركز التحكم والسيطرة في جسم الإنسان لتؤثر سلبًا في القيام بالنشاطات والفعاليات المُختلفة بشكل يومي، تنخر جسده وعقله بشدة وتجعله يعيش في حالة من الهلوسة السمعية والبصرية والفكرية، تجعل منه تائهًا في عالم الخيال واللا واقعية، في هذا المقال سنتطرق الى سرد قصص ويوميات واقعية داخل مستشفيات بغداد المُتخصصة بالطب النفسي.
ردهة الأدمان
كلمة مخدر تعني غياب العقل عن الواقع يكون نتاج انتشاء هذه المواد المخدرة هلوسة سمعية وبصرية لا صلة لها بالواقع، يذكر لي احد مرضى مستشفى ابن رشد للطب النفسي الكائن في بغداد الكرادة شارع النضال عن ما يحدث في غرفته بعد انتشاء السم والتي اعني به المخدرات يكمل حديثه ذاكراً خالته المتوفية وهي تظهر له من خزانة ملابسه ومن اطار تلك الصورة المعلقة على احد جدار غرفته كان هذا اول مريض اقابله لأدهش بعدها بالكثير من القصص والتي أصبح سمعي بعدها معتادًا على ما يستقبل فقد كنت بالبداية أعاني نفسياً لسماعهم تأثرت بحكاياتهم اكاد لا أصدق ان هذه المأساة التي نراها فقط في الأفلام موجودة فعلاً على أرض الواقع أوشكت عيني ان تنفجر من كثرة انفتاحها بعد سماعها لتلك التخيلات والتأثيرات التي كانت تلازم الراقدين في هذه المستشفى.
طالبة تمريض تدخل يوم واحد من كل أسبوع في إحدى مستشفيات بغداد للطب النفسي لغرض إكمال وإتمام دراستها العملية والنظرية في مادة الصحة النفسية والعقلية
تختلف طبيعة هذه البناية حقا عن سائر المستشفيات والمراكز التي دخلتها في رحلة دراستي غرف اشبه بظلام السجن للحالات شديدة الصعوبة وردهة كبيرة تضم ما يقارب ال12 سرير وراء كل شخص متواجد على تلك الأسرة حكاية كانت نهايتها هذه الردهة قد تكون الحكاية بنظر الشخص الواعي والبالغ صغيرة ولا تستحق ان يعاقب او يرمي الانسان نفسه بهذا السجن (المخدرات) الذي قد يكون مؤبد او وقتي الشباب العراقي أصبح في كل مأزقاً دنيوياً كبيراً كان ام صغيراً يبحث عن أي شيء يخفف له وجعه ويزيل له ألم واقع حاله
بعد اكمالي للمحاضرة النظرية في قاعة الامام الصادق(ع) توجهت لردهة المرضى لإتمام تقريري والتعرف على بعض الحالات لممارسة الدراسة العملية بصورة واقعية
دخلت تلك الردهة وأنا أشاهد تلك الوجوه النائمة التي تلاحظ عليها ملامح الإجهاد والإرهاق ولون الجلد الذي يكاد يكون طبيعي على وجوههم وكأنهم أموات لفت نظري عجوز مسن كبير بالعمر قال لي الممرض المسؤول عن تلك الردهة ان هذا الرجل تناول جرعة كبيرة من المخدرات لذلك لا يستجيب لنداء احد منذ أكثر من 8 ساعات فهو غارق في النوم في وقتها قلت في داخلي لا فرق بينه وبين المومياء لتعصب عظمه وجلده كانه خشبة مستلقية على السرير بعد محاولات مني باتت بالفشل لإيقاظه توجهت إلى سرير أخر وقصة أخرى .
لا تستطيع النفس البشرية نسيان تلك الام المرأة المسنة وهي مكسورة الباطن والظاهر على ولدها الضائع شبابه في ذلك السرير ولا تنسى ذاكرتي رؤيتها وهي تمسح بدمع عينها ذاكرةً لي بانها ليست من بغداد وانما إحدى محافظات العراق الجنوبية وقد تحملت عناء السفر لكونها ام ولا تقدر على فراق ابنها الذي كان ضحية أصدقاء السوء.
غالبا ما تكون الأسئلة الموجهة للمريض هي عن سبب إدمانه وكم المدة الذي تعاطى فيها وأي نوع من المخدرات يتعاطى فقد فوجئت بشاب صغير السن عمره 19 سنة يتعاطى جميع أنواع المخدرات ليذكرها لي جميعا واحدة تلو الأخرى وفي كل حرف ينطق من فمه كانت أحشاء قلبي تتمزق ورأسي ينحني للأسفل ببطء شديد تأسفاً على حاله وكأني كنت أعيش في عالم مختلف قد تعتقد عزيزي القارئ بأني أبالغ في سردي وتقول في داخلك اليس هذا واقعنا ما الجديد؟
لأجيب عليك بأني لم أكن أتوقعه بهذا السوء أذ تلقت مسامعي ما لم تتوقع كانت أيام سيئة وحزينة للغاية
أسفي على كل مريض في تلك الردهة
أسفي لكل أب، أم، أخ، اخت، زوجة …
خارج أسوار المستشفى ينتظر لحظة انتصار قريبه (المدمن) على السم الذي أنتشر وبات جزءاً من تكوين جسده
ولست اسفة لكل شخص كان له دور في استيراد او تصنيع أو بيع لهذه المحرمات
قرأت نص في أحد أفلام بوليود (بلاد الهند) يُذكر فيه
-يبحث كُل مُدمن عن عُذر لمعاودة الإدمان-
قصة هذا الفلم حقيقة لنجم من نجوم السينما الهندية كان قد أدمن بسبب صديقاً له يعمل بترويج هذه الممنوعات ف أصبح بطل الفلم (سانجاي) مدمناً ليلاً ونهاراً اذ لا يضيع لحظة الا وتجده ينتشي أنواع مختلفة من المخدرات ..
بمحاولة من والده وصديقه الجيد الأخر بمعالجته في مركز تأهيل في أمريكا
كما تعرف أيها القارئ ان النظام الصحي في هكذا دولة نظام متكامل على جميع الأصعدة توجد فيه كُل الإمكانيات لعلاج مُختلف الأمراض والحد من تطوره سواء كان جسدي ام نفسي
لفت انتباهي حقاً برامج التأهيل في المركز من رياضة ودروس وتعزيز وممارسة مهارات للمريض
-للقصة جوانب وأحداث عديدة لا يسعني ذكرها جميعاً
لكن السؤال هنا ؟
في هذا البلد الذي نعيش فيه حيث تكثر البطالة والمخدرات والكثير من المغلوطات لماذا لا نجد مراكز تأهيل عديدة اذ أصبحنا نحتاج في كل بقعة من هذا البلد مركز تأهيل في ظل انتشار المخدرات ليس فقط عند الشباب لقد سمعت منذ فترة خبر في الحي الذي أسكن فيه عن فتاة مراهقة طالبة مدرسة متوسطة تحمل بحوزتها كمية من المخدرات
في مكان يفترض أن تتعلم فيه وتتثقف لا أن تتعاطى .
من الممكن بأن ترفض كلامي أيها القارئ وتقول لي
لم تقولي بأن لا يوجد لدينا مراكز تأهيل وتعد أسمائهم
في ذهنك وانا اريد ان اجيبك ب نعم لدينا لكن ليست كافية للأعداد المخيفة للمرضى وليست مؤهلة من الدولة بكافة البرامج التأهيلية
حتى لو كان هناك كادر يسعى لتقديم الأفضل من خدمات وخطط للمكان الذي يعمل به لكن من يشجعه !
من يهتم بالبرنامج التي يتم طرحه !
من يطبق !
الدولة ام الوزارة !
ام المجتمع !
العائلة !
اذ ليس فقط للدولة والوزارة دور في هذا الشأن ف على عاتق المجتمع بصورة عامة والعائلة بصورة خاصة دور كبير ايضاً
كم أحزنتني قصص في مستشفى أبن رشد للطب النفسي في كل مرة من ذهابي لهذا المكان أعود متأثرة ومُحملة بالكثير من القصص المؤلمة حقيقة
مؤلم جداً عندما رأيت مريضاً ترك الأدمان لأيام معدودة أثناء وجوده في الردهة وعاود فعلته بعد خروجه بالرجوع الى تلك الأفة التي فتكت شبابه وجسده تحت اي عذر كان برجوعه
(الفقر .. الحُب .. صديق السوء .. العائلة)
وفي كل مرة ختام حديثنا يكون بأمل زائف بالنهوض تارة اخرى بواقع البلد والمجتمع
لكن ثقتي بوجود أشخاص في هذا المجال لو اعطيت لهم فرصة حقيقة لتقديم برنامج تأهيل لأنجزوا الكثير لصالح مجتمعنا ..
الكاتب | منار علي السراي
التدقيق والتحرير | محمد رحيم