صراعات مرحلة المراهقة
في فترة المراهقة هناك صراعات يواجهها الفرد مع العائلة والمجتمع، تعرّف على البعض منها مع حلول بسيطة لها، من خلال هذا المقال.
صراعات مرحلة المراهقة
مرحلة المراهقة هيَّ مرحلة انتقالية مِنْ سن الطفولة إلى سن الرشد، وتمتد طوال العقد الثاني مِنْ عمرِ الإنسان، فتبدأ بحدوثِ البلوغ الجنسي وتنتهي بالوصولِ إلى سن الرشد. وتعتبر هذه الفترة أزمة انفعالية بسبب تغيرات جسمية وسيكولوجية، ولذلك يتسم المراهق بعدمِ الإستقرار وبحدةِ الانفعال طوال هذهِ الفترة.
ومِنْ أهم الصراعات والعوامل المؤثرة على الفرد في هذهِ المرحلة:
1- الصداقة:
شعور المراهق بأهميته وقيمته يُبنى على أساسٍ من كيفية ردود أفعال الآخرين اتجاهه. وبالخصوص ردود أفعال أصدقاءه، ففي هذهِ المرحلة تراه يبتعد عن عائلته، ويوسع محيط أصدقاءه ويبدأ بالاهتمام بآرائهم فيه، بل وحتى يبدأ بالانضمام والتفاعل معهم في كل شيء بدون أن يفكر بمدى صحة هذا الشيء، وهذا ما يسمى بالنمو الإجتماعي. ولذلك مهم جداً أن يختار المراهق أصدقاءه بطريقة ناضجة تؤثر عليه إيجاباً وليس سلباً.
2- الحُب:
النمو التدريجي لميول المراهق يكون نحو أفراد الجنس الآخر، ويؤدي هذا الميول بطبيعته إلى اتساع النشاط الجنسي الغيري. وهذا النشاط هو المسؤول عن قضايا الحُب التي يمارسها، ولكن في هذهِ الفترة من الأفضل أن يضبط المراهق جوانب شخصيته نفسياً واجتماعياً وانفعالياً، ويبدأ بمعرفةِ الصح والغلط، والمتاح والحرام، وما يجب تأجيل فعله إلى سن أكبر، حتى لا يمشي خلف اهوائه فيضيع. ومِنْ الأفضل أن لا يتخذ قرارات في هذهِ الفترة، لأن الأخطاء المستمرة سوف تلقيه بمتاهاتٍ أكبر.
3- العائلة:
صحيح أن الفرد في هذهِ الفترة يبدأ بفصلِ ذاته عَنْ عائلته، ولكن مراقبة عائلته لهُ مهم جداً، لأن هذهِ الفترة لا تخلو من الأخطاء، بحكم قلة خبرة الفرد في الحياة. ولذلك على الوالدين أن يكونا متزنين حتى يعرفا متى تُفتَح الباب ومتى تُغلَق للمراهق، وكيف يكونان أصدقاء له، وكيف يعاقباه، أو ينصحاه. ومن المهم معرفته إن أيَّ فعل وأيَّ كلمة تصدر مِنْ الوالدين سوف تؤثر بشكل كبير على نفسية المراهق، وأيَّ ردة فعل مسيئة لهُ سوف تشعل خلافات لا نهاية لها تشعره أنهُ غير محبوب. والمراقبة المُبالغ فيها والقوانين الصارمة ستشعره أنهُ ما يزال طفل فيبدأ بالتمرد على كل ما يبدر من الوالدين، وهذا ما لا نريده. ومن الحكمة أن تكون معاملة المراهق تختلف عن معاملة الطفل لأنه فعلاً أصبح إنسان بالغ ويستطيع فهم الإرشادات والنصائح بدل الشدّة المبالغ فيها.
4- الأخلاقيات:
في هذه المرحلة ينمو مفهوم الأخلاق عند الفرد، فتراه يهتم للقيم والمعايير الأخلاقية، ويريد أن يناقش القضايا المجتمعية ويشارك في حلّها، ويقدم المساعدة، وينشر الخير، لذلك يحتاج أن يتعامل مع المجتمع بشكل أوسع. ومن الأفضل أن تتاح لهُ هذهِ الفرصة، ليتطوع ويساعد الآخرين مادياً أو معنوياً، في منصاتٍ إلكترونية أو مؤسسات ومشاريع واقعية.
5- المسؤوليات:
أكثر ما يصيب المراهق بالقلق والاضطراب هو عدم القدرة على الإستقرار وتحقيق هوية مهنية ومجتمعية لهُ. فهذا يدفع المراهق إلى المبالغة في التوحد بالابطال الجماهيرية حفاظاً على تماسكه الذاتي، بمعنى لأنهُ لا يعرف بماذا ينتمي وماذا يرغب بحكم عدم استقراره، فترى المراهق ينتمي لأي فريق يظهر أمامه حتى وأن كانت أفعاله مسيئة، ويسمع لأي مغني حتى وأن كانت أغانيه لا أخلاقية، ويشاهد أي مسلسل حتى وإن كانت عديمة الفائدة وما إلى ذلك. ولمعالجة هذه المشكلة، فعلى المراهق أن يختار تجربة عمل بسيط، حتى يستطيع أن ينتمي لمكان حقيقي، ويتخلص من النقص والفراغ، ويتحمل مسؤولية واقعية، ويتفاعل مع المجتمع، ويكتسب مهارات التعامل مع الآخرين، وينضج فكره، وتكثر معلوماته، ويكتسب خبرة مهنية يستفاد منها في سن الرشد.
6- توازن جوانب النمو:
في هذهِ المرحلة ينمو الجسد بشكل مفاجئ وسريع. فقد ترى قد أصبح المراهق كأنه في عمر العشرين بسبب ضخامة جسمه، لكن نموه العقلي والانفعالي والإجتماعي ما زال لم ينضج بشكل كامل. فهنا لا يستطيع الوالدين أو المجتمع أن يحملوا المراهق فوق طاقته ويفرضون عليه الأعمال التي تتطلب جهد كبير، أو الزواج، أو ينتظرون منه أن يتصرف مثل الراشد، وبدل من ذلك، من الأفضل أن يساعدوه على إكمال نضجه العقلي والانفعالي والإجتماعي ليتوازن مع نضج جسده.
7- الدراسة:
يرغب المراهق في تحقيق ذاته، ولكنه يفشل في بعض المواقف، فأحياناً يود أن يتفوق دراسياً لكنه لا يستطيع أو لا يعرف كيف يحقق ذلك. فهنا قد ينهال الوالدان بالكلمات الجارحة عليه، وينعتوه بالفاشل ويجعلوه يرى نفسه أقل قدرة من إخوانه أو أقربائه أو أصدقاءه، فيصبح يشعر بالنقص، ويبدأ بخلق المشاكل معهم، وينسى الوالدان أن يفهما سبب المشكلة من أساسها، فقد يكون التقصير من جانبهم، أو قد يكون المراهق لديه مشكلة نفسية، أو ذكائه محدود، وهناك الكثير من الأسباب التي تجعله مقصر في جانب دراسته، التي تحتاج لفهمها وحلها فقط بدل من تضخيمها.
وأخيراً ومن المهم ذكره: أن علاقة الإنسان مع الله، من ناحية معرفية وأخلاقية وليس فقط عبادية، هذه هي ما تجعل الإنسان يقتل نفسه الحيوانية ويتصل مع ذاته العليا الحقيقية، وعندما يقتل حيوانيته فعلاً ويتصل مع تلك الذات الراقية فسوف تختفي جميع الصراعات وتحل جميع المشاكل الفردية والجماعية.
الكاتب / تبارك قابل
التدقيق والتحرير / نور علي