تهديدات الأمن الغذائي بين الأمس واليوم

شهد العام الحالي 2021 مجاعة حادة في جنوبي جزيرة مدغشقر حيث اكثر من نصف مليون طفل تحت الخامسة من العمر يعاني من سوء تغذية حاد. ما هو الغريب في هذه المجاعة, وما الذي يميزها عن سابقاتها في اجزاء اخرى من العالم؟ هل تغيرت تهديدات الأمن الغذائي اليوم عما كانت عليه أيام النظرية المالتوسية قبل قرنين من الزمان؟

0

تهديدات الأمن الغذائي بين الأمس واليوم

 

أول من دق ناقوس خطر الامن الغذائي العالمي هو عالم الاقتصاد الانكليزي توماس مالتوس حين انتشرت نظريته عن السكان مع بدايات القرن التاسع عشر (1826) والتي عرفت فيما بعد بالمالتوسية، حيث اوضح مالتوس تزايد كل من السكان والموارد الغذائية مع مرور الزمن، ولكنهما لا يتزايدان بنفس المعدل، فالسكان قادرون على المضاعفة مرة كل 25 عاماً إذا لم تقم عقبات تحول دون ذلك، أما الإنتاج الزراعي فإنه لا يستطيع مواكبة هذه الزيادة. فقد أنذر مالتوس بتهديدات الامن الغذائي وحدوث المجاعات والصراعات الاجتماعية نتيجة الزيادة السكانية المطردة مع محدودية المصادر الطبيعية من ناحية توفير الغذاء المطلوب للبشرية على حسب ادعائه.

هل لا يزال خطر الامن الغذائي قائماً في وقتنا الحالي؟

هل اختلفت أسباب تهديد الامن الغذائي بين القرن التاسع عشر والقرن الواحد والعشرون؟

هل لا تزال اسباب النظرية المالتوسية ماثلة الى اليوم؟ أم ظهرت تهديدات أخرى على الساحة العالمية؟

 

في الحقيقة، يتضمن النظام الغذائي على مستوى العالم او على مستوى الدول أربعة أركان موضحة بالشكل التالي:

 

وان أي خلل يحصل لاحد هذه الاركان يعتبر تهديدا للأمن الغذائي العالمي, ولا تزال هذه التهديدات قائمة حتى اليوم بدليل ان القضاء على الفقر والجوع تصدرتا أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. حيث كان الهدف الاول هو ((القضاء على الفقر)) والثاني ((القضاء على الجوع))، هذا ويذكر ان اهداف التنمية المستدامة قد اعلنت عام 2015 وأُقرَّت من قبل الامم المتحدة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

رغم التفات العالم الى اهمية الامن الغذائي منذ ظهور النظرية المالتوسية قبل قرنين من الآن، الا ان اسباب هذا التهديد قد تغيرت. فحيث ان الانفجار السكاني ومحدودية المصادر الطبيعية كان الهاجس الوحيد الذي أقلق مالتوس ومن جاء بعده من العلماء الا ان التغير المناخي والوضع البيئي الحرج هو ما يؤرق عيون المهتمين بالأمن الغذائي العالمي اليوم! فرغم ان التقدم الاقتصادي في القرن الاخير وما صاحبه من تطور تكنلوجي قد حسن من توفير الغذاء، حيث تشير بعض الاحصائيات للأعوام 1990-1992 من أن 19% من المجتمع البشري كانوا يعانون من الفقر، تشير بيانات العام 2015 الى نقصان النسبة السابقة الى 11% فقط. ولكن من جانب آخر، فلولا التغير المناخي وآثاره السلبية لتمكنت جهود التطوير الاقتصادي من تقليل البشر المهددين بسوء التغذية الى أكثر من 50% بحلول عام 2040، لكن التغير المناخي أفشل هذه الجهود وغير النتائج المرتقبة (1).

وهذا ما اتضح جلياً اليوم، حيث أعلن برنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حصول أول مجاعة بسبب التغير المناخي اليوم، ولن تكون الأخيرة! حيث يعاني جنوب جزيرة مدغشقر حالياً من مجاعة حقيقية. تأثيرات التغير المناخي من جفاف وعواصف ترابية خلال الثلاث سنوات الماضية أدت الى تدهور حاد في الزراعة وصيد الاسماك مما أدى الى تعرض اكثر من نصف مليون طفل لسوء التغذية الحاد. وهذا ما يدعنا للتفكير بأسباب تهديد الامن الغذائي وهل تغيرت اليوم عن السابق؟

يؤثر التغير المناخي على الأمن الغذائي من نواحي عديدة :

 

فالتغير المناخي سبب ذوبان جزء من جليد جبال الهملايا مما أدى الى اضطراب في الامطار الموسمية وزيادة في الفيضانات والجفاف في قارة آسيا مما سيؤثر على 25% من الانتاج العالمي للحبوب (2). كما أن العراق قد قلل من المساحة المزروعة بمحصول القمح للخطة الشتوية للموسم 2021-2022 بسبب قلة المياه. وقد حذرت الامم المتحدة من آثار التغير المناخي على العراق منذ عام 2010 من أن العراق هو خامس أكثر دولة في العالم هشاشة من حيث شحة المياه والغذاء (3).

كذلك الحال في ظاهرة تصحر الاراضي الناتجة عن التغيرات المناخية. حيث تؤدي الى تناقص كميات الحبوب المنتجة سنوياً. فقد قدر الفاقد السنوي من الحبوب نتيجة تدهور الاراضي الزراعية بـ12مليون طن، ما قيمته 3000 مليون دولار. كذلك يؤثر التغير المناخي على التنوع الحيوي في النظم البيئية المختلفة، فأظهرت بعض الدراسات امكانية تعرض 15 الى 37 بالمئة من الكائنات الحية الى الانقراض بسبب التغيرات المناخية حتى عام 2050، وهذا بدوره سينعكس سلبياً على الزراعة المستدامة وتوفير الغذاء(4).

اذن لم يعد التعداد السكاني ما يقلق الامن الغذائي العالمي كما كان الحال أيام توماس مالتوس، بل اصبحت تهديدات التغير المناخي اكثر جدية على الامن الغذائي. وتشير الارقام الى ان أسباب التغيرات المناخية عائدة بالأساس الى النزعة الاستهلاكية ونمط المعيشة اكثر مما هي عائدة الى تزايد اعداد السكان على الكرة الارضية. فعلى سبيل المثال: ان الدول المتقدمة تستخدم 75% من المصادر الطبيعية مقارنة بالدول النامية، في حين ان سكان تلك الدول المتقدمة يشكلون 25% فقط من مجموع البشر. كذلك فان البصمة البيئية (Footprint) لمواطن أمريكي تقدر بأكثر من مئة ألف متر مربع (30 acre) في حين تقدر البصمة البيئية للمواطن الهندي بـ عشرة آلاف متر مربع فقط (2.5 acre). مما سبق، يتضح أنه قد آن الاوان كي نفكر بشمولية أكثر في تهديدات الامن الغذائي العالمي والمحلي، وأن نأخذ بنظر الاعتبار تأثيرات التغير المناخي بالإضافة الى الازدياد السكاني المطرد في التخطيط لتوفير الغذاء وتحقيق أهداف التنمية المستدامة المنشودة.

 

الكاتب / كرار اكرم كامل
التدقيق والتحرير / نور علي

 

المصادر:

  1. Online at https://mpra.ub.uni-muenchen.de/105772/

MPRA Paper No. 105772, posted 08 Feb 2021 11:09 UTC.

  1. Chakraborty and A. C. Newton, 2011, Climate change, plant diseases and food security: an overview. Plant Pathology (2011) 60, 2–14.
  2. 2010. Human Development Report 2010: The Real Wealth of Nations – Pathways to Human Development.
  3. الاشرم, محمد, 2010, التنوع الحيوي والتنمية المستدامة والغذاء (عالميا وعربياً). مركز دراسات الوحدة العربية, صفحة:115.

 

 

 

 

 

 

Leave A Reply