الموجات الدماغية
معرفة الإنسان ما يحدث بداخله وفهمه مهم جدًا، وبالتحديد معرفته لآلية عمل دماغه تساعده في إدارة حياته بصورة مناسبة أكثر. لذا، في هذا المقال أذكُر طريقة عمل موجات الدماغ وأنواعها وكيفية انتقاء المناسبة منها.
الموجات الدماغية
مظهر العازف الذي يعلم كيف يتحكم بآلة الموسيقى ويبدأ بصب سيمفونية الجمال في آذاننا، يشبه مظهرنا عندما نفهم ونتحكم في آلية عمل أدمغتنا ونبدأ بصب التنظيم والهدوء في أيامنا،لكن الذي لا يعرف كيفية العزف على تلك الآلة سينشر العشوائية على مسامعنا، تمامًا مثلنا عندما لا نفهم آلية عمل أدمغتنا ونستمر بالتخبط بين الداخل والخارج.
لذا، علينا أن نعرف أن أدمغتنا تحمل خلايا عصبية تتصل ببعضها البعض فتصدر عدة أنواع من الموجات الكهربائية ذات الترددات المختلفة، وفعليًا فإن هذه الموجات الدماغية هي ما يمثل أفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وحتى سلوكياتنا، حيث أن تلك الموجات تتشكل أو تتغير وفقًا لما نعمل ونفكر مؤثرةً بذلك على ما نشعر به.
فمثلًا عندما يستعد الإنسان للنوم تهيمن الموجات البطيئة على دماغه، فيشعر بالكسل وقد يدخل في مرحلة الأحلام، في حين إن كان تحت تأثير حدث يثير الموجات الأسرع فسوف يشعر بالتأهب والاستعداد، وهذا التحول من موجة إلى أخرى هو التناغم الطبيعي. أما في حالات عدم التناغم في آلية عمل موجات الدماغ، كالعمل وفق موجات دماغية واحدة طوال الوقت، أو عمل موجات الدماغ المختلفة في وقتٍ واحد، يؤثر ذلك على حياة الإنسان بشكل كبير، حيث يظهر أثر ذلك واضحًا من خلال اضطرابات الدماغ ،السلوك ،الآلام ،الأمراض الجسدية وأنواع الإضطرابات الأخرى، إلا أن مع كل خلل يأتي الحل، فتغيير منظور الحياة واتباع بعض الخطوات الصحية قد تنجح في التحكم بالدماغ وشفاء هذه الاضطرابات، وسأذكر تلك الخطوات بعد تصنيف موجات الدماغ على حسب سرعتها :
( موجات دون المنخفضة 0.5 هرتز )
هي أبطأ الترددات وتحمل الإشارات الأساسية لوظائف الدماغ، وأن العلم لم يتوصل إلى الكثير من المعلومات عنها، فطبيعتها البطيئة تجعل من الصعب التقاطها وقياسها، وقد أُجريت إلى الآن دراسات علمية قليلة وضحت أنها مسؤولة عن تواقيت الدماغ ووظائفه المتعلقة بالاتصال.
( موجات دلتا 3 — 0.5 هرتز )
هي موجات بطيئة بالتردد إلا أنها عميقة كصوت ضربات الطبول، وتتكون في مراحل النوم العميق الخالي من الأحلام، فينفصل وعي الإنسان عن المحيط الخارجي عند سريان هذه الموجات، كما يحصل أثناءها الشفاء وتجدد الخلايا في الجسم، فهذا ما يجعل النوم ضروريًا للحفاظ على الصحة والتشافي من الأمراض.
( موجات ثيتا 8 — 3 هرتز )
يمكن استشعارها في تلك اللحظات التي تسبق النوم أو بأول الاستيقاظ أو حتى خلال أحلام اليقظة وتظهر أيضًا أثناء النوم الخفيف، ففي تلك اللحظات قد يصعب تمييز الواقع من الحلم، وقد يرافق ذلك رؤية الصور ووقوع الحدس أو إختبار التجارب التي تتجاوز الوعي الطبيعي.
كما يمكن تحفيزها عند التأمل وممارسة العبادات، أو حتى عند القيام بالمهام التلقائية مثل تنظيف الأسنان والاستحمام، وتكمن أهميتها في التعلم والذاكرة والحدس، ففيها تعود الحواس للتركيز نحو الداخل والتقاط الإشارات من هناك، ويتم تشبيه موجات ثيتا على أنها مسلكنا وطريقنا للوصول للذكريات والمعلومات المخزنة ضمن الدماغ، ولذلك تستخدم في الجلسات التأملية التي تسمى “الشفاء بالثيتا”.
( موجات ألفا 13 — 8 هرتز )
تظهر موجات ألفا أثناء النشاطات العقلية المتصلة بالإدراك الواعي، ولكنها تمثل نشاطات عقلية هادئة، كالتنفس الواعي وممارسة اليوغا وعند عيش اللحظة (شعور هنا والآن) أو عند ممارسة الأنشطة الإبداعية، حيث تعني أن الدماغ واعي ويدرك ما حوله ولكنه لا يتفاعل معه، ويغلب وجود هذه الموجات الدماغية في البالغين المتسمين بالراحة والهدوء والمزاج الجيد، وعند عدم الإنخراط بتحليل المعلومات.
( موجات بيتا 39 — 13 هرتز )
تحكم عمل الدماغ في أغلب أوقات وعيه، أي عندما يكون التركيز منصبًا على المهام الإدراكية والعالم الخارجي، فتتكون هذه الموجات عندما يكون الإنسان متيقظًا ومنغمسًا في حل المشكلات واتخاذ القرار وغيرها من الأنشطة الدماغية التي تتطلب الحكم والتركيز والحوار، كما يعمل الدماغ وفقها عند القلق أو حتى الحماس، وتسيطر على العقل عند فقدان القدرة الواعية على ضبط الأفكار والتحكم بها عند الحديث الداخلي.
ولأنها موجات سريعة وعالية، فمن غير الصحي أن يعمد الإنسان توظيفها لفترة طويلة من اليوم، فعمل الدماغ وفقًا لترددات عالية لفترة طويلة يستهلك الكثير من الطاقة.
( موجات غاما 39 هرتز )
هي أسرع الموجات وأعلاها ترددًا، حيث يحتاج الدماغ للعمل وفقها عند معالجة المعلومات ضمن مناطق مختلفة من الدماغ في آن واحد، لكن يحتاج الدماغ للهدوء للوصول لهذه الترددات، كما يتم معالجة المعلومات عند الوصول لها بسرعة وهدوء.
على الرغم من الدراسات المتعددة، لا يزال العلماء في حيرة تجاه قدرة الخلايا العصبية للدماغ على توليد ترددات غاما، حيث يرى العلماء أنها تغير من مستوى الإدراك والوعي، وأن العيش وفقها يؤدي إلى التوسع في الوعي واختبار التجارب الروحية، كما وجدها العلماء تنشط عند ممارسة الفضائل وعيش الحب اللامشروط.
إذا فالدماغ يحكم إدراكنا ويستشعر كل فكرة أو عاطفة تمر في كياننا، كما يحكم قدرتنا على التركيز والتوازن العاطفي والتحكم المركزي والمناعة، لذا فالتركيز على طريقة عمله وفهم آلياته تكفل توسيع قدرات الإنسان الذهنية والإدراكية وباستطاعة الإنسان ضبط عمل الدماغ عن طريق التحكم بموجاته من خلال الأفكار والمشاعر والأنشطة التي يختار التركيز عليها وبإمكانه إتخاذ خطوات بسيطة لانتقاء الموجات التي تفيده على حسب ما يحتاجه، منهم:
التأمل: يضع الدماغ بحالة راحة ويجعله يعمل وفق موجة ألفا، إلا أن الفائدة العظمى للتأمل تتحقق عن طريق الممارسة المتواصلة له، حيث تتمكن من السيطرة أكثر على نوع الموجات والانتقال من موجة لأخرى وفق إرادتك.
الإستماع للموسيقى: تؤثر الترددات الغالبة على القطع الموسيقية على موجات الدماغ، فإن هناك موسيقى تدخلك في مرحلة الاسترخاء وأخرى تسيئ بمزاجك، لذا من المهم الحرص عند انتقاء أنواع الموسيقى لما لها من تأثير على أنشطة الدماغ.
التنفس الواعي: التحكم بسرعة التنفس وعمقه قادران على تغيير ترددات موجات الدماغ، وبالتالي تغيير الحالة المزاجية إلى الأكثر هدوئًا ووعيًا بالحاضر بدون تحليل أو توقع أو تَذَكر.
التفكير بإيجابية: أن صحة الإنسان عقليًا وبدنيًا ونفسيًا تبدأ أولاً وقبل كل شيء من أفكاره ونظرته للأمور ومدى تفاؤله أو تشاؤمه، حيث أن أبحاث الدماغ أظهرت أن الأفكار تؤثر على عمل الدماغ وتحفز موجات تؤثر على مشاعرنا.
فإذا توقعنا أو فكرنا سلبيًا، فإن مركز الألم بالمخ يتحفز ويسبب ذلك القلق وسلسلة كاملة من ردود فعل الجسم بل وحتى الألم، لذلك يجب التقليل من الأفكار السلبية إلى الحد الأدنى.
في المقابل، أن التفكير الإيجابي يؤدي إلى تنشيط ما يسمى في الدماغ “المركز التحفيزي” يؤدي إلى شعور المرء على الفور بأنه في حالة أفضل، وتصبح موجات الدماغ أطول، فيحس المرء بأنه أفضل وأكثر استرخاء.
وأخيرًا، مراقبتك لموجات الدماغ وتردداتها الغالبة على عقلك مهم جدًا في تحديد إذا ما كنتَ ترهق عقلك بطريقة غير صحية أو تستفاد منه بالطاقة القصوى بأمور مفيدة تنظم حياتك وتحافظ على صحتك العقلية والنفسية والجسدية.
الكاتب / تبارك قابل
التدقيق والتحرير / مريم عقيل
المصادر :