الحركات البيئية
إِنَّ الاهتمام بالبيئة الطبيعية، ضارب في التأريخِ البَشري. فَنجدُ إِشارات الى المخاوفِ مِنْ التَعدي على مكوناتِ البيئةِ الطبيعية، والتَسبب بتخريبها مُنذُ حضارة بلاد ما بينَ النَهرين. فَنَرّى في مَلحمةِ كلكامش، مخاوفَ بشأَنِ تَدمير الغابات وتَجفيف المُستنقعات. وعندما يَقطع جلجامش الأَشجار المُقدسة، تُلّعن الآلهة سومر بالجفاف، وتَرسِل عَشتار (إلهة الأَرض) ثَورُ السَماء لمُعاقبة جلجامش. وحتى وقتِنا الحالي، يَزخر عالمَنا بالحركاتِ البيئية المُختلفة. فتعالوا مَعنا لنَستكشف هذا الجانب مِنْ الحِراكِ السلمي للبَشرية او ما تسمى بالحركات البيئية.
الحركات البيئية
تُشير الحركات البيئية في جميع أنحاء العالم إلى مجموعة من الجهود التي تهدف إلى تعزيز حماية البيئة الطبيعية والحفاظ عليها واستعادتها.
هذه الحركات مدفوعة بمخاوف بشأن الآثار السلبية للأنشطة البشرية على البيئة، مثل: التلوث وإزالة الغابات وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. وبتعبير آخر: هي جهود منظمة من قِبَل الأفراد أو الجماعات أو المنظمات، التي تهدف إلى حماية البيئة والموارد الطبيعية من الأذى أو التلوث أو الاستنزاف أو التدمير. يمكن أَن تتخذ هذه الحركات أشكالًا مختلفة، من النشاط الشعبي إلى حملات المناصرة الرسمية. ويمكنها استهداف قضايا بيئية محددة أو معالجة اهتمامات اجتماعية واقتصادية وسياسية أوسع.
تاريخ الحركات البيئية:
كان القرن التاسع عشر فترة تغيرات اجتماعية وبيئية كبيرة، تميزت بالتصنيع INDUSTRIALIZATION والتحضر URBANIZATION، مما أدى إلى ظهور الحركات البيئية. في الولايات المتحدة، اكتسبت حركة الحفاظ على الغابات زخمًا في أواخر القرن التاسع عشر، بقيادة شخصيات مثل ثيودور روزفلت وجون موير. ودعوا إلى حماية الغابات وإنشاء حدائق وطنية; للحفاظ على الحياة الفطرية والجمال الطبيعي. أَدّت الثورة الصناعية إلى تدهور بيئي كبير، بما في ذلك تلوث الهواء والماء. ردًا على ذلك، تم تشكيل مجموعات مثل جمعية الهواء النظيف، وجمعية منع تلوث الأنهار في المملكة المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر; للسعي من أجل بيئات أَنظف. تأسست الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات (RSPCA) في عام 1824 في المملكة المتحدة; بهدف تحسين معاملة الحيوانات في الأُسّر وفي المَسالخ. كذلك تأسست منظمات مماثلة في بُلدان أُخرى، مثل الجمعية الأمريكية لمنع القسوة على الحيوانات (ASPCA) في عام 1866. وفي أستراليا أَدت المخاوف بشأن تدهور الأراضي وتآكل التربة إلى تشكيل الحديقة الوطنية الملكية في عام 1879، والتي كانت أول حديقة وطنية في العالم يتم إنشاؤها خصيصًا لغرض حماية الموارد الطبيعية.
شَهَدَ القرن العشرون ارتفاعًا ملحوظًا في الحركات البيئية في جميع أنحاء العالم. ظهرت هذه الحركات استجابةً للمخاوف المُتزايدة بشأن تأثير الأنشطة البشرية على البيئة الطبيعية وضرورة حمايتها للأجيال القادمة. في هولندا، اكتسبت الحركة البيئية زخمًا في النصف الأخير من القرن العشرين. حيث كان القرن العشرون فترة زمنية حاسمة. يمكن إرجاع الحركة البيئية في هولندا في القرن العشرين إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. خلال هذه الفترة، كان هناك قلق متزايد بشأن التلوث والنفايات وتأثير التصنيع على البيئة. ساعد عدد من المنشورات المؤثرة مثل كتاب “الربيع الصامت” لريتشيل كارسون، في زيادة الوعي العام حول هذه القضايا.
في الثمانينيات والتسعينيات، كان هناك قلق متزايد بشأن تأثير الزراعة المكثفة على جودة التربة ونوعية المياه والتنوع البيولوجي. أدى ذلك إلى ظهور حركات الزراعة المستدامة، والتي عززت ممارسات الزراعة البديلة مثل الزراعة العضوية والزراعة المستدامة.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرون كان هناك وعي متزايد بتأثير الأنشطة البشرية على المناخ العالمي. أدى ذلك إلى ظهور أنشطة بشأن تغيّر المناخ في هولندا، حيث دعت مجموعات مثل URGENDA و EXTINCTION REBELLION إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. بشكلٍ عام، كان للحركات البيئية في القرن العشرين تأثير كبير على الوعي العام وصنع السياسات حول القضايا البيئية، مما ساعد في إنشاء إطار لحماية البيئة والحفاظ عليها. واستمرت هذه الحركات في تشكيل الجهود العالمية لمواجهة التحديات البيئية حتى القرن الحادي والعشرون.
واحدة من أهم الحركات البيئية في السنوات الأخيرة هي الحركة التي يقودها الشباب للعمل المناخي. بدأت هذه الحركة من قِبَل المراهقة السويدية (غريتا ثونبرج) التي بدأت إضرابًا مدرسيًا من أجل المناخ في أغسطس 2018. ومنذ ذلك الحين، انضم إليها ملايين الشباب حول العالم في الدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة أزمة المناخ. نظمت الحركة احتجاجات جماهيرية وإضرابات وأحداث أُخرى لمطالبة الحكومات باتخاذ إجراءات جريئة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
بالإضافة إلى هذه الحركات، كانت هناك أيضًا حركة متنامية من أجل العدالة البيئية. تركز هذه الحركة على التأثير غير المتساوي للمشاكل البيئية على المجتمعات المهمشة، بما في ذلك المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمجتمعات الملونة (في قبال مجتمعات ذوي البشرة البيضاء). عمل نشطاء العدالة البيئية على رفع مستوى الوعي حول هذه القضايا والدفع نحو السياسات التي تتعامل معها، مثل تشديد اللوائح الخاصة بالتلوث وتحسين امكانية وصول هذه المجتمعات إلى المياه النظيفة والهواء غير الملوث.
بشكلٍ عام، اتسمت الحركات البيئية في القرن الحادي والعشرين بالوعي المتزايد للترابط بين القضايا البيئية والحاجة الملحة لمعالجتها. جمعت هذه الحركات أُناس مختلفون، من الناشطين الشباب إلى مجتمعات السكان الأصليين; للمطالبة بإجراءات بيئية من قبل الحكومات والشركات. بينما لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لمعالجة المشاكل البيئية، فإن هذه الحركات توفر الأمل في مستقبل أكثر استدامة وعدلاً.
اتضح مما تقدم أنه تم ظهور حركات بيئية في أجزاء مختلفة من العالم استجابة لقضايا بيئية محددة تؤثر على المجتمعات المحلية1. يمكن إرجاع بعض الحركات البيئية المبكرة إلى القرن التاسع عشر، عندما بدأت المخاوف بشأن الآثار السلبية للتصنيع والتحضر على البيئة في الازدياد. منذ ذلك الحين، تطورت الحركات البيئية ونمت استجابة لمجموعة من القضايا.
فيما يلي بعض أهم الحركات البيئية في جميع أنحاء العالم:
- الحركة الخضراء: هي حركة سياسية واجتماعية عالمية ظهرت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات استجابةً للمخاوف بشأن الآثار البيئية والاجتماعية للتصنيع والنمو الاقتصادي. ركزت الحركة على قضايا مثل تغير المناخ، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والتنمية المستدامة، والعدالة البيئية.
- الحركة المناهضة للأسلحة النووية: هي حركة عالمية ظهرت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ردًا على تطوير الأسلحة النووية والطاقة النووية. ركزت الحركة على قضايا مثل نزع السلاح النووي، والسلامة النووية، ومخاطر الحوادث النووية والنفايات النووية.
- حركة حقوق الحيوان: هي حركة عالمية ظهرت في السبعينيات استجابةً للمخاوف المتعلقة بمعاملة الحيوانات في الزراعة والبحث العلمي والترفيه وغيرها من الصناعات. ركزت الحركة على قضايا مثل الرفق بالحيوان، وتحرير الحيوان، والمعاملة الأخلاقية للحيوانات.
- حركة العدالة البيئية: هي حركة عالمية ظهرت في الثمانينيات استجابةً للمخاوف بشأن الآثار غير المتناسبة للتدهور البيئي والتلوث على المجتمعات المهمشة، بما في ذلك المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمجتمعات الملونة. ركزت الحركة على قضايا مثل العنصرية البيئية، والصحة البيئية، وتمكين المجتمع.
- حركة العدالة المناخية: هي حركة عالمية ظهرت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين استجابةً للمخاوف بشأن الآثار الاجتماعية والبيئية لتغير المناخ، والتوزيع غير المتكافئ لتكاليفه وآثاره. ركزت الحركة على قضايا مثل التكيف مع المناخ، والطاقة المتجددة، والتعويضات المناخية.
- إضراب المناخ: حركة الإضراب المناخي ، التي بدأتها غريتا ثونبرج في عام 2018، هي حملة عالمية تشجع الطلاب والشباب على ترك المدرسة والإضراب من أجل العمل المناخي. تهدف الحركة إلى زيادة الوعي حول إلحاح تغير المناخ والضغط على الحكومات والشركات لاتخاذ إجراءات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ثم اتخذت الحركة اسم (أيام الجمعة من أجل المستقبل) FRIDAYS FOR THE FUTURE2 بهدف زيادة الوعي بتغير المناخ والمطالبة باتخاذ إجراءات من الحكومات والشركات. بدأت بسلسلة من الإضرابات المدرسية، ومنذ ذلك الحين تطورت لتصبح حركة عالمية تضم ملايين المؤيدين.
- غرينبيس GREENPEACE: هي حركة قادتها منظمة بيئية دولية تعمل على تعزيز السلام وحماية التنوع البيولوجي ومنع التدهور البيئي. وهي معروفة بحملات العمل المباشر والاحتجاجات غير العنيفة ضد أنشطة مثل التجارب النووية والتنقيب عن النفط وإزالة الغابات.
- THE SIERRA CLUB: قامت هذه المنظمة البيئية والتي مقرها الولايات المتحدة (تأسست عام 1892) بقيادة حركة بيئية مؤثرة, حيث عملت على حماية البيئة الطبيعية وتعزيز الحفاظ عليها من خلال الدعوة إلى السياسات العامة التي تدعم الطاقة النظيفة وتقليل انبعاثات الكربون والحفاظ على المساحات الطبيعية.
- تمرد الانقراض EXTINCTION REBELLION: وهو حركة اجتماعية عالمية تستخدم العصيان المدني غير العنيف للفت الانتباه إلى حالة الطوارئ المناخية والبيئية. تطالب الحركة الحكومات باتخاذ إجراءات فورية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ووقف فقدان التنوع البيولوجي.
- PLASTIC FREE: هي حملة شعبية تهدف إلى تقليل استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد مثل القش والأكياس والاوعية البلاستيكية. تشجع الحركة الأفراد والشركات والحكومات على اتخاذ إجراءات لتقليل النفايات البلاستيكية وتعزيز البدائل المستدامة.
- .: 350.ORG قادت هذه المنظمة3 حركة شعبية عالمية تدعو إلى الانتقال إلى الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات الكربون. وتهدف إلى بناء حركة مناخية عالمية من خلال تنظيم حملات محلية وتعبئة الناس لاتخاذ إجراءات جادة بشأن التغير المناخي.
- THE INDIGENOUS ENVIRONMENTAL NETWORK: الشبكة البيئية للشعوب الأصلية هي شبكة في أمريكا الشمالية من الشعوب الأصلية والمنظمات التي تعمل على حماية أراضي الشعوب الأصلية وثقافاتها وممارساتها التقليدية من آثار الصناعات الاستخراجية وتغير المناخ. وهي تعزز الحلول التي يقودها السكان الأصليون للقضايا البيئية وتدعو إلى الاعتراف بحقوق السكان الأصليين.
- THE PLASTIC POLLUTION COALITION: تحالف التلوث البلاستيكي4 هو تحالف عالمي من الأفراد والمنظمات والشركات التي تعمل على الحد من التلوث البلاستيكي وآثاره السامة على الإنسان والحيوان والبيئة. يدعو التحالف إلى تغيير السياسات، ويشجع تغيير سلوك المستهلك، ويعزز البدائل المستدامة للبلاستيك.
بشكلٍ عام، لعبت الحركات البيئية دورًا حاسمًا في زيادة الوعي بالقضايا البيئية حول العالم، والدعوة لتغيير السياسات، وتعزيز الممارسات وأنماط الحياة المستدامة. كما أنها أَلهمت احساسًا متزايدًا بالمواطنة والمسؤولية البيئية. فضلًا عن مساهمتها في تطوير الإدارة البيئية والتعاون الدولي. وسنتناول في مقالنا القادم تقييمًا لتوجهات بعض هذه الحركات البيئية ونتائج أنشطتها.
مقالات قد تهمك
الكاتب | كرار أكرم كامل
التدقيق والتحرير | فاطمة قائد الطائي
المصادر:
A Brief History of Environmentalism