مراجعة في التنوع البيولوجي
كمهتم ومتبني للقضايا البيئية، طالما كانت قضية التنوع البيولوجي والحفاظ عليه هاجساً مخيفاً ومصدر قلق حقيقي مشكّلاً - في الوقت ذاته - محركاً ودافعاً للعمل البيئي والانخراط ضمن الحراك العالمي للحفاظ على التنوع البيولوجي. من جانب آخر، كثيراً ما يتردد على ذهني السؤال التالي: لماذا الدفاع عن التنوع البيولوجي؟ ولماذا هو مهم لهذه الدرجة؟ مهم لدرجة ان أتبناه كقضية، ومهم لدرجة تكفي لمحاولة اقناع الغير للتغيير من سلوكياته المعتادة -النزعة الاستهلاكية- والانخراط ضمن حراك الحفاظ على التنوع البيولوجي! بل في بعض الاحيان، أشكك في الأمر كله انطلاقاً من وجهة نظر داروينية وتصورات الانتخاب الطبيعي وقانون البقاء للأًصلح! مؤخراً، ومن خلال اطلاعي على كتاب يسرد تاريخ التفكير العلمي والجوانب الثقافية والاجتماعية في تناول موضوعة الانقراض، وجدت اجابات جديدة - اضافة الى ما أمتلكه من اجابات لتساؤلاتي أعلاه.
مراجعة في التنوع البيولوجي
ضمن الاهتمام الحالي في الجانب البيئي والاستدامة، ابتداءً من الافراد والمؤسسات الغير حكومية الى حكومات البلدان والمنظمات الدولية العالمية، تقع قضية التنوع البيولوجي في قمة الاهتمامات البيئية، حيث أصبحت من أولويات الخطاب البيئي العالمي ومن المسلمات التي لا تتطلب جدلاً أو جهداً اقناعياً لا على المستوى الشعبي والخطاب الاعلامي ولا على المستوى العلمي النخبوي. فمنذ كتابها (الربيع الصامت) حذرت راشيل كارسون عام 1962 من أن ربيعاً صامتاً يلوح في الافق، “ربيعاً صامتاً بلا طيور تغرد بالغابة” وانتهاءً بقمة الارض Earth Summit والتي اجتمعت فيها 150 دولة في ريو دي جانيرو – البرازيل 1992 والتي تمخضت عن اتفاقية الامم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي، أصبحت قضية التنوع البيولوجي شاغل شغل الحراك البيئي العالمي.
اتفقت أغلب أدبيات علوم البيولوجيا والإيكولوجيا على تعريف بسيط ومباشر للتنوع البيولوجي وهو “جميع الانواع التي تشغل منطقة واحدة أو نظام بيئي محدد” حيث يفهم التنوع البيولوجي باعتباره مقياساً لثراء الانواع. (1) انطلاقاً من التفكير العلمي والذي قد يعاود التشكيك بينة الفينة والأخرى ببعض المسلمات نية التدقيق والتأكد من سلامة حججها، وبحثاً عن اجابات أخرى ربما خفيت عن الجهود العلمية السابقة، ربما نتساءل: هل التنوع البيولوجي واقع تحت الخطر حقيقة؟ ولو ثبت أن التنوع البيولوجي واقع تحت تهديد حقيقي، فهل يستحق ذلك فعلاً ان يكون قضية شديدة الاهمية بحيث تدفع بنا الى مطالبة الدول والحكومات لوضع القوانين والتشريعات ضد التوسعات الاقتصادية والانشطة الصناعية – والتي هدفها في الأخير رفاهية الانسان – لصالح الانواع الاخرى من حيوانات ونباتات؟
من جانب آخر, عندما نعود الى نظرية التطور, والتي يرتكز عليها علم البيولوجيا الحديث بصورة لا مفر منها, ونتعمق في قانون الانتخاب الطبيعي وشبيهه قانون البقاء للأصلح, سوف يستحوذ علينا التصور التالي: ان التطور عملية طبيعية مستمرة, بمعنى ان انقراض الانواع يحدث في كل حين, بسبب عدم ملائمتها للطبيعة وعدم استطاعتها مجاراة المتطلبات البيئية المتغيرة وفشلها في التنافس للبقاء على قيد الحياة, يقابل ذلك بقاء الانواع الأصلح والانسب, وتشكل أنواع جديدة أجدر بالبقاء من الانواع المنقرضة, وهكذا تطورت وازدهرت الحياة على الكرة الارضية. بالتالي، لا يوجد داعٍ للخوف من انقراض الانواع التي لم تستطع مجاراة الواقع البيئي الراهن، وليس الفقدان الذي يشهده التنوع البيولوجي حالياً بظاهرة غير طبيعية تتطلب منا اعادة النظر في أسلوب حياتنا واستغلالنا لموارد الطبيعة.
لماذا التنوع البيولوجي؟
هناك اتجاهات مختلفة للإجابة عن التساؤلات السابقة، ووجهات نظر متعددة تقف وراء بزوغ موضوعة التنوع البيولوجي خلال نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين كأهم القضايا البيئة وفي مقدمة أي حراك بيئي جاد أو غير جاد! فيما يلي سنلخص هذه الاتجاهات من خلال بيان خمسة مواقف ووجهات نظر تم تبنيها من قبل المطالبين بالحفاظ على التنوع البيولوجي:
وجهة النظر الجمالية
قبل أن تتزايد تحذيرات العلماء حول انقراض الانواع بصورة متسارعة بسبب الانشطة البشرية، ظهرت بعض الاصوات المنادية بالحفاظ على بعض الانواع أو التأسف على أنواع أخرى نالها الانقراض وكان الوازع وراء تلك الاصوات هو الحفاظ على جمال الطبيعة وتنوعها الرائع. شهد أواخر القرن التاسع عشر اهتماماً شعبياً متزايداً بالحفاظ على بعض الانواع الفردية حيث نشرت مجلة التايمز البريطانية عام 1884م بعض الرسائل عن انقراض بعض أيائل وضباء أمريكا الشمالية، أو الفيلة الافريقية. كذلك تناولت صحيفة نيويورك تايمز ومنشورات الاتحاد الامريكي لعلماء الطيور قضية انقراض بطة لابرادور (2) وغيرها من الأنواع الحيوانية ولكن “في كل حالة، صيغ القلق أو الأسف الذي تم التعبير عنه بلغة رومانسية احتفت بجمال أنواع معينة أو منفعتها، ولم تعكس اهتماماً أكثر عمومية بالحفاظ على التنوع في حد ذاته”. (3)
وجهة نظر نفعية براغماتية
طالما كانت الحجة القوية وراء المنادين للحفاظ على التنوع البيولوجي كونه مورداً لا غناً عنه لدعم الانسان بمختلف الاحتياجات الغذائية والدوائية والصناعية، ومع انقراض اي نوع – سواء كان معروفاً لنا او غير معروف – ومع تدهور اي نظام طبيعي فان البشر يخسرون فوائد اقتصادية جمة. وبالتالي يحتم علينا الواجب في الحفاظ على النوع البشري وتقدمه الاقتصادي أن نحافظ على أهم موارده الطبيعية متمثلاُ بالتنوع البيولوجي. في الواقع، كانت هذه هي الحجة وراء اقناع 150 دولة لأبرام اتفاقية التنوع البيولوجي في قمة الارض التي عقدت في ديو جانيرو 1992, حيث صرحت هذه الاتفاقية بالتالي: “وتشكل الموارد البيولوجية أحد الأصول الرأسمالية التي تحمل امكانيات هائلة قادرة على ادرار فوائد مستدامة. ويلزم اتخاذ اجراءات عاجلة وحاسمة لحفظ وصيانة الجينات والانواع والنظم الايكولوجية، بغية ادارة الموارد البيولوجية واستخدامها على نحو مستدام… وقد ابرزت منجزات التقدم الحديثة في مجال التكنولوجيا البيولوجية ما تحمله المادة الجينية الموجودة في النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة من امكانيات راجحة للزراعة، وللصحة والرفاه، والاغراض البيئية.”(4)
وجهة نظر ايكولوجية
مع تطور علم الايكولوجيا وتوسع الابحاث التي تتناول النظم البيئية والعلاقات الايكولوجية داخل مكونات تلك النظم، وتداخل علاقات الكائنات الحية مع العوامل الطبيعية المحيطة بها، ومن ثم علاقة المخزون الجيني للأنواع مع مستقبل استمرارها وتطورها وقدرتها على التنافس، ازداد الاقتناع بأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي وارتباطه الوثيق بمستقبل الانسان على الارض. بدأ علماء الايكولوجيا يحاجّون بان استمرارية البشر مرهون في الحفاظ على التنوع البيولوجي والتقليل من وتيرة انقراض الانواع وارجاعها الى الصورة الطبيعية، حيث تمثلت حججهم باتجاهين:
1- الترابط والاعتمادية المتبادلة: بعد ان ازدادت دراسات النظم البيئية في علم الايكولوجيا، ترسخ في وعي المختصين والجمهور مدى دقة تلك النظم وتعقد العلاقات التي تربط مكونات النظام البيئي الحية والغير حية، واتضح من خلال الدراسات الميدانية، ان الاخلال المتعمد او غير المتعمد بأحد تلك المكونات سينتج عنه عواقب غير متوقعة واخلالاً بالتوازن الذي في كثير من الاحيان يؤدي الى هلاك جزء كبير من ذلك النظام. من هذا المنطلق حاجج المدافعون عن التنوع البيولوجي كون المحافظة عليه هي محافظة على التوازن الذي يحكم النظم الطبيعية على الارض ومكوناتها المختلفة والتي أحداها الانسان نفسه، فأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي تنبع من واقع الارتباط والاعتمادية المتبادلة بين افراد البشر والكائنات الاخرى في النظم الايكولوجية المعقدة وكون التنوع مكون أساسي في استقرار تلك النظم.
2- فقدان التنوع الجيني وآليات التطور: مع ظهور الداروينية الجديدة وترسيخ بعض نتائج نظرية دارون من خلال تفسيرات علم الوراثة وقوانين مندل التي اكتشفت لاحقاً، برز جانب آخر من جوانب أهمية التنوع البيولوجي وارتباطه بصحة النظم الطبيعية وعلاقة التنوع البيولوجي باستمرارية التطور وبالتالي استمرار تواجد النظم الايكولوجية الداعمة لتواجد البشر أنفسهم واستمرار التقدم الانساني والتطور الصناعي والاقتصادي. تستند هذه الحجة باختصار على ان التنوع الجيني – الذي هو جزء من التنوع البيولوجي – مستودع للمعلومات او الامكانية والتي تعتبر الاساس في ظهور التكيفات الجديدة وبالتالي انبثاق الانواع المختلفة من خلال آليات التغيرات الوراثية والطفرات الجينية. بعبارة أخرى، يحتفظ كل كائن حي بخزين وراثي محفوظ في خارطته الجينية والذي قد يظهر صفات جديدة من خلال الطفرات الوراثية أو غيرها من آليات التعبير الجيني عبر الأجيال، بعض تلك الصفات الجديدة ستكون ملائمة للعوامل البيئية المحيطة وتعطي مميزات تنافسية اضافية مما يرشحها للمرور عبر الانتخاب الطبيعي والبقاء ضمن الفعل التطوري للأنواع واعطاء أشكال جديدة من المخلوقات. فقد أكد علماء مثل جوناثان شيل (1982م) وديفيد جابلونسكي (1986م) اننا إذا فهمنا أن حياة أي كائن باعتباره معلومات وان الموت هو فقدان للمعلومات الجينية التي يحملها ذلك الكائن الميت في جيناته، فعندئذٍ في انقراض أحد الانواع ستغلق موارد جميع المخلوقات المستقبلية من هذا النوع، وأن التطور لا يكرر نفسه، فانقراض الانواع يترك مادة (جينية) خام أقل للعمل بها، فهو افقار دائم للكائنات الحية على الارض والذي سينتهي بالانقراض الجماعي والذي سيطال البشر أيضاً وينهي وجودهم على هذا الكوكب!
في الوقت الذي شكل الفهم السطحي لنظرية التطور والانتخاب الطبيعي تشكيكاً بأهمية الحراك للدفاع عن التنوع البيولوجي كون التنوع محكوم بقوانين التنافس وبقاء الأصلح، وأن الطبيعة طالما كانت في حالة توازن بين الانواع المنقرضة والانواع المنبثقة وبالتالي لا مبرر للفزع وبذل الجهود الحثيثة للحفاظ على الانواع الضعيفة وترك الامر للانتخاب الطبيعي. عاد الينا الفهم الدقيق للتطور وآلياته بمنظور جديد يعزز من أهمية الدفاع عن التنوع البيولوجي وكونه أحد المفاتيح الرئيسية لاستمرار النظام البيئي الطبيعي وبالتالي بقاء النوع البشري، حيث اتضح ان الانقراض المتسارع للأنواع الحية بفعل التأثير البشري سوف يعطل الوتيرة الطبيعية التي كان يسير بها التطور من خلال نفاذ المخزون الوراثي للتنوع المستقبلي.
وجهات النظر الدينية
حاول العديد من مناصري البيئة استثمار قوة الدين لزيادة الضغط باتجاه حماية التنوع البيولوجي, فاتجهوا الى تفسيرات بعض النصوص الدينية لمساندة الحراك البيئي, على سبيل المثال حاجج البعض – اعتماداً على بعض النصوص الاسلامية – بضرورة الحفاظ على الكائنات الاخرى كالتزامٍ دينيٍ كون جميع المخلوقات تسبح بحمد الله فعندما نقضي على بعض تلك الانواع فإننا نقضي على كائنات تسبح لله.(5) أما من وجهة نظر كاثوليكية, فقد قام بابا الفاتيكان فرانسيس (2015م) بتذكير أتباعه بإحدى حقائق الكتاب المقدس (كل المخلوقات مملوءة بحب الله, فقد خلقت بأمره, وحب الله هو القوة الرئيسية المحركة في كل مخلوقاته) داعياً اياهم للحفاظ على التنوع البيولوجي – مخلوقات الله – وحماية البيئة من التدهور.(6) كذلك وتم صياغة مفهوم ديني جديد للتعدي على المكونات الطبيعية وهو “الخطيئة الايكولوجية” Ecological Sin.(7)
سوف لا نتطرق لموقف الديانات الغير كتابية – الديانات الشرقية مثلاً – كون موقفها يختلف جذرياً والذي يتطلب مقالاً منفرداً، ولكن الاديان قد توفر مبررات قوية لوجهات نظر تقع على النقيض مما تقدم! مثلاً، من بين الحقائق التي طالما تكررت في أدبيات الاديان السماوية هي (الانسان خليفة الله في الارض، وأن الله خلق العالم أجمع من أجل الانسان، وبالتالي مصلحة الانسان فوق مصلحة جميع الكائنات الاخرى). فلو طرحت مسألة على الفقهاء تتضمن تعارضاً ما بين مصلحة الانسان وبين كائن آخر (نبات أو حيوان مثلاً) فان مصلحة البشر مقدمة بلا نقاش. ولتوضيح المسألة نضرب مثالاً واقعياً من مشاكل البيئة العراقية المعاصرة, في عام 2018 مر العراق بسنة جفاف عسيرة وقلة أمطار تزامنت مع انخفاض منسوب مياه دجلة والفرات بسبب السياسات المائية لدول المنبع (تركيا وايران), احدى نتائج هذه المشكلة هو ارتفاع اللسان الملحي من شط العرب نحو مدينة البصرة مما شكل تهديداً حقيقياً على السكان هناك, كان الحل السريع الي اتخذته الجهات المعنية حينها هو حرمان هور الحويزة من حصته المائية وتجفيفه لغرض زيادة الاطلاقات المائية عبر نهر دجلة نحو محافظة البصرة لدفع اللسان الملحي بصورة جزئية. تم التضحية بحياة المليارات من الكائنات الحية من أحياء مجهرية وطحالب ونباتات وحشرات واسماك وطيور… ونظام بيئي فريد ينتمي للتراث العالمي، وكان هذا الاجراء موافقاً للالتزامات الدينية والاخلاقية الداعية لكون حماية حياة البشر وعيشهم الكريم هو الأصل، ولم يخطر على ذهن أحد أن القضاء المتعمد على الكائنات الحية التي تقطن هور الحويزة امر غير شرعي، وعلى البشر ان يتدبروا أمر مصالحهم من غير الاضرار بالطبيعة والكائنات الاخرى.
وجهة النظر الأخلاقية
يدعو أنصار هذا الاتجاه الى الحفاظ على التنوع الحيوي وعدم الاضرار والتسبب في انقراض الانواع الاخرى بدافع أخلاقي ينبع من اعتقاد باللامركزية البشرية. تتمثل المركزية البشرية Anthropocentrism بتصور ان الانسان هو الكائن الاكثر أهمية في الكون. نتيجة لمعتقدات دينية أو تمثلات ثقافية سيطر هذا التصور على العديد من المجتمعات ولعصور مختلفة، تعرض هذا المفهوم من ناحية علمية للعديد من الضربات، كانت أولاها جهود العالمين كوبرنيك وغاليلو واثباتهما ان الشمس هي مركز مجموعتنا الشمسية وما الارض الّا كوكب عادي يدور حولها، حيث عارضهما التيار الشعبي آنذاك – المقاد من قبل الكنيسة – والذي كان يعتقد بمركزية الانسان وبالتالي مركزية كوكبه الذي يقطنه (الأرض). وتوالت الاكتشافات التي قللت من المركزية المدعاة للكيان البشري مع توثيق سعة الكون وان هناك مجرات أكبر وأوسع من مجرتنا حتى. جاءت نظرية التطور بتصور جديد قض مضاجع المركزية البشرية بادعائها أن الانسان نوع يشترك مع باقي الانواع الحية بأسلاف مشتركة وما يميزه هو قواه العقلية التي تطورت نتيجة طفرات وراثية تم اختيارها بآلية الانتخاب الطبيعي. تدريجياً ظهر تيار يدعي الشمولية الايكولوجية Ecocentrism والذي يدعو الى ازاحة الانسان من مركزيته وانزاله الى موقع متساوٍ مع بقية الانواع الحية ضمن النظام الايكولوجي الأشمل، ورفع شعار الـ ECO مقابل الـ EGO (الشمولية الأيكولوجية مقابل الأنا والغرور الانساني). وبدافع أخلاقي ممزوج بالشمولية الأيكولوجية تم رفض الإضرار بالتنوع البيولوجي كون الانواع الاخرى تتمتع بحق البقاء والاستمرار في الحياة كما نريده نحن البشر. سيتضح تأثير هذا الاعتقاد لو رجعنا الى مثالنا السابق عن تجفيف هور الحويزة, فان تيار الوازع الاخلاقي النابع عن الشمولية الايكولوجية سوف يرفض الإضرار بالنظام البيئي للأهوار ويمنع تجفيفه وقتل الكائنات الحية التي تقطنه وسوف يطالب البشر المتضررين من شحة المياه في جنوب العراق من تدبر أمرهم بعيداً عن الإضرار بالكائنات الاخرى من خلال الاعتماد على الحلول التقنية أو الضغط على دول المنبع لزيادة الاطلاقات المائية أو حتى للهجرة الى أماكن أخرى كما كان يفعل البشر في قديم الازمان عندما تشح المياه أو تحل بهم كارثة بيئية ما!
بين هذا وذاك، تباينت وجهات النظر وراء الحراك الجاد الذي نشهده في الوقت الحالي للحفاظ على التنوع البيولوجي، ولكن الحقيقة المتفق عليها بين الجميع هي أن التنوع أهم ما يميز عالم الطبيعة، وأن مصير الانسان على الارض منوط بالحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم الايكولوجية. وعلى حد تعبير ديفيد سيبكوسكي “ولن نتمكن للأسف من رؤية الصورة الحقيقية الا بعد آلاف السنين من الآن عندما يكون الأوان قد فات على جنسنا البشري. هذه الحقيقة في حد ذاتها تمنعنا عن التراخي.” (8)
الكاتب | كرار اكرم كامل
التدقيق والتحرير | محمد رحيم
المصادر
1- التفكير الكارثي, 2023. تأليف: ديفيد سيبكوسكي، ترجمة: ايهاب عبد الرحيم علي. سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت.
2- Ducher, William (1894). “The Labrador Duck – another specimen, with additional data respecting extant specimens” (PDF). Auk. 11 (1): 4–12. doi:10.2307/4067622
3- التفكير الكارثي، مصدر سابق. ص 92.
4- تقرير الامم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية. ريو دي جانيرو, 3-14 حزيران/يونيو 1992. الرابط: https://www.un.org/ar/conferences/environment/rio1992
5- Rethinking Degrowth: Islamic Perspectives, By: Odeh Al Jayyousi 2015. Online Link:
https://degrowth.info/blog/rethinking-degrowth-islamic-perspectives
6- ENCYCLICAL LETTER LAUDATO SI’ OF THE HOLY FATHER FRANCIS ON CARE FOR OUR COMMON HOME 2015.
7- What is ecological sin? By: Brian Roewe 2020. Online Link:
8- التفكير الكارثي، مصدر سابق. ص 303.