الأحكام المسبقة
تحاول بأي طريقة أن تظهر أجمل ما فيك أمام الآخرين، تحاول بأي طريقة أن تظهر بشخصيةٍ تعجبهم، وقد تمنع نفسك من الحرية حتى لا ينتقدوك، لكن ومع كل تلك المحاولات فالآخرين مستمرين في إطلاق الأحكام المسبقة والآراء السلبية عليك، فما السبب؟ وما الحل؟ هنا اجيبُك
الأحكام المسبقة
تحاول بشتى الطرق أن تُظهر أجمل ما فيك أمام الآخرين، و تحاول أن تظهر بشخصيةٍ تعجبهم، وقد تمنع نفسك من حريتك حتى لا ينتقدوك، لكن ومع كل تلك المحاولات يستمر الآخرين في إطلاق الأحكام والآراء السلبية عنك، فتبدأ أنت بكره نفسك فوق كرهك السابق الذي جعلك لا تتصرف على طبيعتك، هنا قد تبدأ بلوم نفسك أو لوم الآخرين أو الإثنين معًا، لكن فِهم هذهِ المشكلة من جذورها هو جزء مهم من الحل، فهل تساءلت ما سبب كل ذلك؟
يُقال أن: ( كلُّ يرى الناس بعينِ طبعه ) والشاعر سعد بن الصيفي قد قال: ( كل إناءٍ بما فيهِ ينضح) وهذان المقولتان تنطبقان على البشرية فعلاً، فالبشر لا يرون العالم على حقيقته، بل يرون حقيقتهم فيه، ولأنك جزء من هذا العالم فهم سيحكمون عليك على حسب أخطائهم أو تجاربهم أو مخاوفهم، بل قد يعبرون مرحلة الأحكام ويصلون إلى أن يتصرفون بسوء معك بسبب منظورهم الخاص، تلك الرؤية التي في أغلب الأحيان تكون تخصهم أكثر مما تخصك، فلماذا تتفاعل مع أحكامهم وتصرفاتهم التي تكون موجهة إلى أنفسهم أكثر مما هي موجهة إليك؟ إن لم تتفاعل معهم بتصرف ما أو كلمات أو فقط شعور، فسوف تأتيهم ضربة قوية توقظهم من غفلتهم على ما يفعلون، لكن لو استمريت في التفاعل معهم فسوف يكبر الغشاء الذي على أعينهم ولن ينتبهوا أنهم يتعاملون مع أنفسهم من خلالك، ولك حرية الإختيار….
انت أيضًا من ضمن هذهِ البشرية، فقد تحكم على الآخرين، بل وقد تحكم على نفسك، وبسبب حكمك على نفسك والآخرين فقد يبدأون هم أيضًا في الحكم عليك، فابدأ بطريق الحل من عتبة نفسك، عليك أن تفهم أن الحكم للخالق الذي يرى الصورة بأكملها وليس لك أنت الذي ترى جزء ضئيل من صورة العالم، حتى نفسك أنت لا تراها بأكملها، فقد يوجد بداخلك قدرات لم تكتشفها بعد، لأنك مشغول بالنظر إلى العالم، مشغول بما سيقولون عنك، وبما ستقول عنهم أنت، تنسى أنكم متغيرين، وتنسى أن الصورة الظاهرة الواحدة لها أكثر من جوهر مختلف، فتحبس نفسك والآخرين بسجن أحكام غير ثابتة وقد تكون غير صحيحة، والآن كل ما عليك هو أن تفتح باب هذا السجن لأنك حر ولأنهم أحرار، تفتحه من خلال تحسين علاقتك مع نفسك
في كل يوم قف أمام المرآة، وبصوتٍ عالي: عاهد نفسك أن تكون معها دائمًا، أن تساعدها في ممارسة إرادتها الحرة فيما يتعلق باختياراتها اليومية الصغيرة أو الكبيرة، دون أن تذكّرها بما سيقال عنها من قبل الآخرين أو من قبلك أنت، عاهدها إنك ستعطيها الدعم الذي تحتاجه، والمدح الذي تريد سماعه، ولا تخالف عهدك عند وقت الجد، فعندما تقف مع نفسك هكذا لن تعيد الحكم عليها، بل ستتصرف بحرية بعيدة عن أي إطار حكم يجعلك تتصرف بطريقة ثابتة بدون محاولة لتغييرها، وعندما تقف مع نفسك لن تحتاج سماع أي كلمة من الآخرين، وبذلك لن تعطيهم فرصة لسماع أحكامهم عليك، وحتى أن سمعتها فلن تتأثر بها، لأنك تعلم من تكون وتعلم لماذا يفعلون ذلك، وعندما تفعل كل هذا ستفهم أيضًا أن ليس من شأنك الحكم على الآخرين، وقد تتقبّل رحيلهم مثلما تتقبّل تصرفاتهم السلبية قبل الرحيل بدون أي حكم عليهم، لأنك تعلم أن الصورة الكاملة ليست تلك التي رأيتها منهم، وتعلم أنهم أحرار مثلما أنت حر
وأنا هنا لا أقصد أن تكون أبْلَه، فتجعلهم يتجاوزون حدودهم معك، ويبدأون بأذيتك أكثر وسلب حقك، لكن التصادم المستمر معهم لن يأتي بنتيجة جيدة، فأعرف متى و كيف توقفهم، ومتى تتركهم يحكمون ويفعلون دون رد و قيد منك
واخيراً تذكّر أن ليس هنالك شيئًا ثابتًا في الحياة، فالذي تراه يتصرف بسوء اليوم، قد يكون أفضل غداً، وحتى أنت إن تصرفت بطريقة سيئة لمدة طويلة فهذا لا يعني إنك لا تستطيع تغيير هذا التصرف وتذكّر أن ليس هناك شيئاً محدداً ب إطار في الحياة، فإن جاء إليك شخص تعرفه، وفجأة صرخ في وجهك، قد يكون السبب أنه غاضب من أمر حدث له قبل ساعات ولم يستطيع التنفيس عنه بوقتها وبدون إرادته انفجر غضبه أمامك، أو قد يكون أنه كان حزين من فعل بدر منك عند آخر مرة رأيته فيها بدون أن تنتبه وتعتذر عنه فتحول هذا الحزن إلى غضب، أو أي احتمال آخر، ولا يمكنك أن تعرف الحقيقة إلا بإبعاد الأحكام عن هذا الشخص وسؤاله بشكل مباشر عن السبب مع الإصرار عليه بقول الحقيقة
الكاتب / تبارك قابل
التدقيق والتحرير / فرح منير
المصادر: