تدوير النفايات المنزلية – تجربة عملية

تعد مشكلة النفايات من أكثر القضايا البيئية خطورة في عصرنا الحالي, حيث قال البنك الدولي في تقرير له إنه ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة، ستزيد نفايات العالم بنسبة 70% بحلول عام 2050 عمّا هي عليه الآن, حيث من المتوقع أن يقفز مقدار توليد النفايات السنوية على مستوى العالم من 2.01 مليار طن عام 2016 إلى 3.4 مليار طن خلال السنوات الثلاثين المقبلة. وذلك نتيجة لتوسع المدن السريع وتزايد عدد السكان واختلاف نمط معيشتهم, فمثلاً يقدر متوسط انتاج الفرد الامريكي من المخلفات (بأنواعها: الصلبة والسائلة…) بـ 2,21 كغم/يوم, بينما الفرد الاوربي ينتج ما يقارب 1,18 كغم /يوم, في حين تهبط كمية المخلفات التي ينتجها الفرد الذي يعيش في دول شرق آسيا الى 0.52 كغم /يوم. في حين بلغت حصة الفرد العراقي من انتاج النفايات يومياً ما يقارب الـ 1,3 كغم /يوم.

ان من أهم مصادر هذه النفايات هي النفايات الناتجة عن النشاطات المنزلية والتي شهدت تزايداً ملحوظاً نتيجة: نمو عدد السكان, وتطور مستواهم المعيشي والاقتصادي حيث يمكن ان تقسم النفايات المنزلية الى نوعين: نفايات عضوية ونفايات غير عضوية. المخلفات العضوية هي المواد القابلة للتخمر والتحلل الناتجة من انتاج وتجهيز واستهلاك الطعام والتي تختلف باختلاف اشهر السنة تبعاً لوجود أنواع الخضروات والفواكه, كذلك وتختلف باختلاف عادات وتقاليد التجمعات السكانية, وتشكل المخلفات العضوية اكثر من 70% من المخلفات المنزلية.

ما هو دورنا كأفراد في التقليل من النفايات المنزلية العضوية؟

للإجابة عن هذا التساؤل من الممكن ان تتعدد الاجابات وحسب الترتيب الهرمي لإجراءات ادارة النفايات ابتداءً بالتقليل من انتاج النفايات, واعادة الاستخدام ثم اعادة التدوير… وانتهاءً بالطرق الصحيحة للتخلص من النفايات.

ان من أهم طرق اعادة تدوير النفايات المنزلية العضوية انتشاراً بين المهتمين بقضايا البيئة هو تحويلها الى سماد عضوي (كمبوست) واستخدامه في زراعة نباتات الزينة والحدائق المنزلية. الكمبوست  “Compost” هو عبارة عن الناتج من التحلل الحيوي البيولوجي للمادة العضوية سواء كانت من أصل نباتي أو حيواني بفعل البكتريا وبعض الكائنات الدقيقة النافعة تحت ظروف بيئية معينة من الدفء والرطوبة والتهوية الجيدة. فعملية الكمر (التخمر) الهوائي هي عملية حيوية تعتمد على نشاط التمثيل الغذائي لعديد من الكائنات الحية الدقيقة، حيث تعتمد تلك الكائنات في تغذيتها على ما تحتويه هذه المخلفات النباتية والحيوانية فتبدأ هذه الكائنات الدقيقة كالبكتريا والفطريات في تفتيت المواد الكربوهيدراتية والنيتروجينية والنشا فتنطلق كميات كبيرة من الحرارة وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء.

من الممكن استخدام التخمير الهوائي للمخلفات العضوية المنزلية بطرق بسيطة وكما موضح في الصور أدناه:

 

متطلبات انتاج الكومبوست المنزلي

كي تقوم الاحياء المجهرية بدورها في تحليل النفايات المنزلية العضوية وتحويلها الى سماد عضوي يجب توفير بعض الشروط غير الصعبة لإتمام العملية بنجاح, أهمها:

1. تنوع المواد الاولية بين بقايا المطبخ من الخضر وقشور الفواكه وقشور البيض, المخلفات الورقية والجرائد وطبقات البيض, مخلفات الحديقة واوراق الاشجار المتساقطة والعشب, ومن الممكن اضافة مكونات اخرى يمكن الحصول عليها بسهولة كالقش ونشارة الخشب وفضلات الحيوانات كالمواشي والدواجن.
2. الحفاظ على نسبة عنصري الكربون الى النيتروجين في الفضلات المخلوطة بما يقارب ثلاثة اضعاف الكاربون لكل ضعف نيتروجين وذلك من خلال التحكم بنوع وكمية الفضلات المضافة, حيث تقسم المواد الاولية لصناعة الكمبوست الى نوعين المواد الخضراء: والتي تحوي النيتروجين بصورة رئيسية كالعشب المقصوص ومخلفات الحديقة غير الجافة (الخضراء) وبقايا الخضروات والفواكه, كذلك تعتبر فضلات الحيوانات ضمن هذا النوع كونها عالية النيتروجين. المواد البنية: والتي تحوي عنصر الكربون بصورة أساسية وتشمل الجرائد, الورق والكرتون, مخلفات الحدائق الجافة كالعشب الجاف والقش واوراق الاشجار المتساقطة, نشارة الخشب وغيرها.
3. يجب الحفاظ على المكونات في رطوبة متوسطة (50%) وذلك برش كومة المكونات بالماء بين الحين والآخر وحسب احوال الطقس, ان الرطوبة ضرورية لعمل الاحياء المجهرية وتكاثرها وبالتالي القيام بعملية تحليل المواد العضوية, ولكن يجب تجنب الرطوبة الزائدة والتي تؤدي الى طرد الهواء وبالتالي اعاقة عمل الاحياء المجهرية.
4. وجود الاوكسجين ضروري لتنفس وتكاثر الاحياء المجهرية, لذلك يجب تهوية المكونات بين فترة واخرى (كتقليب المكونات مرتين اسبوعياً) لطرد غاز CO₂ المتكون وتجديد غاز O₂.
   تجربة عمليةتم اجراء تجربة عملية في أحد المنازل في العراق لعائلة متوسطة الدخل ومتكونة من خمسة أفراد لغرض تقدير كمية المخلفات العضوية الناتجة والتي من الممكن اعادة تدويرها في صناعة الكومبوست, وبالتالي معرفة ما يمكن تقليله من النفايات الناتجة والمساهمة في الحفاظ على البيئة. تضمنت التجربة التالي:المرحلة أولاً: تم القيام بفصل المخلفات العضوية (بقايا الطعام غير المطبوخ, ورق الكلينكس…الخ) عن المخلفات الغير قابلة للاستخدام في صناعة الكمبوست (المخلفات البلاستيكية, المعدنية, الزجاجية…الخ) يومياً ولمدة 5 أيام متتالية, وتم حساب وزن كل منها قبل التخلص منها.

من الجدول السابق نستنتج أن مجموع المخلفات (الصلبة) الناتجة لعائلة متوسطة الدخل مكونة من 5 أفراد كانت كالتالي:

• المجموع الكلي للنفايات الناتجة على مدى 5 أيام متتالية: 14970غم.
• نسبة المخلفات العضوية القابلة للتدوير في صناعة الكومبوست: 70% والبالغة 10كغم ونصف تقريباً.
• نسبة المخلفات الغير قابلة للتدوير في صناعة الكومبوست: 30% والبالغة 4كغم ونصف تقريباً.

الاستنتاجات:

1. اتفقت النتائج مع التقديرات العالمية كون 70% من المخلفات المنزلية هي نفايات عضوية, راجع الشكل الاول (المصدر:4).
2. يمكننا المحافظة على البيئة بتقليل النفايات المنزلية الناتجة بنسبة 70% واعادة تدويرها في صناعة السماد العضوي.

المرحلة ثانياً: تم استخدام مخلفات المطبخ العضوية في صناعة الكومبوست بالإضافة الى مخلفات الحديقة وفضلات الطيور (حمام الزينة) ونشارة الخشب, حيث تم عمل كومة في الحديقة وحسب شروط صناعة الكومبوست من التهوية والتقليب والترطيب المستمر. ولا زالت التجربة قائمة بإضافة المخلفات العضوية لحين اكمال الكمية المناسبة وانتظار اكمال عملية التحلل ومن ثم استخدام الكومبوست المنتج في تسميد الحديقة المنزلية.

 

المصادر:

1. Kaza, Silpa; Yao, Lisa C.; Bhada-Tata, Perinaz; Van Woerden, Frank. 2018. What a Waste 2.0 : A Global Snapshot of Solid Waste Management to 2050. Urban Development;. Washington, DC: World Bank. © World Bank.
2. : Average per capita generation of municipal solid waste worldwide in 2016
3. وزارة التخطيط العراقية – الجهاز المركزي للإحصاء:
4. أثر النفايات المنزلية على الغلاف الجوي و الإنسان
5. سلطان بن محمد العيد, السماد المخمر(الكمبوست), المملكة العربية السعودية – وزارة الزراعة – مركز أبحاث الزراعة العضوية بمنطقة القصيم.

الكاتب / كرار أكرم 
التدقيق والتحرير / محمد رحيم