مفارقة المهرج الحزين “Sad Clown Paradox”
نلاحظ احيانًا و خصوصًا في فترات حياتنا المظلمة التي نصل إليها لاقصى مراحل الحزن و الكآبة، لأي سبب كان، إن رغم صعاب الحياة و مشاقها و رغم قساوة الفترة التي نعيشها، لكننا مستمرون بالقاء النكات و السخرية من وضعنا و نحاول اضحاك من حولنا، البعض سوف يعزي هذه الحالة الى قوة الشخصية، لكنها بالواقع، هي حالة نفسية.. ما هي هذه الحالة النفسية؟ ومن هو الشخص المصاب بها؟ وما اسبابها؟ سوف نتعرف في هذه المقالة عن المفارقة النفسية هذه
مفارقة المهرج الحزين “Sad Clown Paradox”
تعريف عام: مُفارقة المُهرج الحزين هو ارتباط متناقض بين الكوميديا والاضطرابات العقلية مثل الاكتئاب والقلق. يتميّز مؤدوا الأدوار هؤلاء بمشاعر الحِرمان والعُزلة في بداية حَياتهم حيث تُمثل الكوميديا لهم تحررًا من التوتر عبر إزالة مشاعر الغضب الجسدي المكبوتة من خلال مخرجات لفظية
نشرت دراسة من جامعة اوكسفورد “Oxford” في الاونة الاخيرة، و تطوع فيها 523 كوميدي يعمل في جميع أنواع وسائل الترفيه، حيث تقول: ” إن العناصر الإبداعية اللازمة لإنتاج الفكاهة تشبه بشكل لتلك التي تُميز النمط المعرفي للأشخاص المُصابين بالانفصام والاضطراب ” ثُنائي القطب”، وقال مؤلف الدراسة جوردون كلاريدج، من قسم علم النفس التجريبي بجامعة أكسفورد لبي بي سي، إن الكوميديين قد يستخدمون أفعالهم كشكل من أشكال العلاج الذاتي. وهنالك العديد من الأبحاث والمقالات التي توضح الحالة.
يعتبر فيشر في عام 1981 أول من نشر سلسلة من التجارب النفسية التي تشير إلى طباع سلوكية تقتصر على الكوميديين ولا تَنطبق على المُمثلين العاديين. أعادت أبحاث كاوفمان وكوزبيلت تفسير هذه النتائج مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تلعب الكوميديا دور آلية مواجهة لإخفاء الصدمة فإنها تحفز أيضًا الكوميدي ليستخدم الدعابة كطريقة لتكوين العلاقات والحصول على التقبّل.
ما تميز الحالة هذه عن باقي الحالات النفسية؛
تبيّنت الدراسات السابقة أن حس الدعابة يبدأ منذ عمر صغير ويعززهُ سلوك الوالدين. فقد تؤدي الطبيعة غير الناضجة للوالدين إلى مسؤوليات إضافية تُفرَض على الأطفال مما يثير لديهم مشاكل تتعلق بقيمة الذات والحاجة للتقبّل. قد يسبب البحث المتواصل عن القبول مشاكل صحية نفسية مثل القلق أو الاكتئاب، وفي حال لم تُعالج قد تؤدي إلى الانتحار في الحالات الشديدة. يتطور حس الدعابة كوسيلة لحماية الذات وتخليص الأفراد من أي مِحن تواجههم مما يسمح لهم بالتحكم بالمواقف المزعجِة.
تتميز مفارقة المهرج الحزين بمزاجية دورية تشجع خلق دعابة خفيفة الظل في وسط احترافي رغم معاناتهم من الاضطراب الداخلي.
و تتميز المراحل المبكرة من حياة الكوميديين بالمعاناة والعزلة ومشاعر الحرمان فتُستخدم الدعابة كمخرج أو كَدفاع ضد القلق (defense mechanism).
وصف الفيلسوف الألماني نيتشه ذات مرّة بأنه: “يعاني المرء بمفرده صورة لا تُطاق في العالم الذي كان مجبرًا فيه على خلق الضحك”. تؤدي عدم القدرة على إظهار العدوانية بصورة مباشرة إلى التعبير عنها من خلال سلوك الدعابة المقبول اجتماعيًا. تعطي الدعابة القدرة على فرض السيطرة والحصول على الحصانة في موقف ما، وقد قال بيل كوسبي (bill Cosby) – الكوميديان الامريكي الشهير – أن الإنسان يستطيع النجاة من أي شيء إن استطاع إيجاد الدعابة فيه.
بدايات حياة المُصاب بالحالة النفسية؛
يظهر مؤدوا الكوميديا ميولًا متكرراً نحو الدعابة في المراحل الأولى من حياتهم و بدايات اختلاطهم في المجتمع، وهي المدرسة، وغالبًا ما يطلق عليهم لقب “مهرج الصف” خلال سنواتهم الدراسية. تذكر الكوميديون أنهم كانوا يقلدون الطبيعة الصارمة للمدرسة، فيحصلون على سعادة كبيرة من ضحك أقرانهم عليهم. علّق تومي سموثرز – كوميديان امريكي – أنه خلال خبراته المدرسية “حصل على نشاط كبير من ضحك أصدقائي، لكنني لم أعلم ما الذي جعلهم يضحكون، لكنني علمت أنني قادر على إضحاك الناس”. كما أكد الكوميديان جوني كارسون أيضًا على دور المدرسة في حياة الكوميدي قائلًا: “أعتقد أن معظم الكوميديين يبدؤون عندما يلاحظون قدرتهم على إضحاك الآخرين في المدرسة وفي الحي الذي يكبرون فيه، فيخدعون الناس ويقومون بأشياء سخيفة ويقاطعون الصف الدراسي. إنه شيء يجرى القيام به للحصول على الانتباه إذ أن لسان حالهم يقول: “مرحبًا، انظروا إليّ أيُّها الناس، أنا أحصل على تقبلكم”.
رغم أن الكوميديين غالبًا ما يكونون ذوي مستوى ذكاء مرتفع إلا أنهم كانوا يكرهون بيئة المدرسة ويحاولون تجنبها بصورة متكررة. يشرح الكوميديون أن مدرسيهم كان ينقصهم التفهّم والتقبّل لذلك كان المدرسين يصفون سلوكياتهم بأنها نوع من الإقصاء الشخصي. علّق وودي آلن بأن المدرسة ” كانت مملة ومخيفة ،الأمر برمته كان قبيحًا. لم أعرف الإجابات أبدًا. لم أقم بالواجبات المنزلية أبدًا”. رغم توجّه المدرسة لترتيب وضبط الصراعات مع طبيعة الكوميدي إلا أنها مثلت ساحة أولية للفرد حتى يدرك قدرته على توليد الضحك. يخلق هذا الاستكشاف مشاعر مختلطة لأن الضحك قد يكون موجهًا عليهم مع مسحة خفيفة من السخافة أو التقليد. بغض النظر عن انزعاج الكوميدي إلا أنه يجد القدرة على جعل أحد ما يضحك أمرًا جذابًا لما في ذلك من قوة.
أسباب الحالة النفسية وعلاقة العائلة بالأمراض النفسية؛
أظهرت الدراسات أن مؤدوا الكوميديا يميلون ليكونوا قد تربّوا في وسط عائلي متفكك ومتباعد يتميز بالكراهية العائلية. شرح برازيونز وتيتلر أن هذا التباعد العائلي يدفع الأفراد ليكونوا ضحايا للإهمال وبالتالي فيصبحون كمجموعة منعزلة. يمكن أن تتطور مفارقة المهرج الحزين انطلاقًا من هذه البيئات غير المتماسكة وذلك بدءًا من عمر صغير إذ يكون الطفل راغبًا بتكوين اتصال اجتماعي فيستخدم حس الدعابة للحصول على المودّة وبطريقة ما يكوّن اتصالًا عن بعد. علّق الكوميديان نورمان لير على طفولته المؤلمة نظرًا للصراع المستمر مع والديه قائلًا: “الدفاع الوحيد ضد ذلك هو الضحك عليه، واكتشاف ما كان مضحكًا بشأنه”.
وجدت دراسة أجراها العالم فيشر أن الأفراد الموجَهين بحس الدعابة يصفون أمهاتهم بأنهن متطلبات وغير متعاطفات وبعيدات. إذ تبيّن أنهن الحاصلات على دور التربية متعدين بصورة شائعة على الأب ليقوم بهذا الدور في العائلة. أظهر اختبار بُقعة الحبر على والِدَّي الكوميديين ميلهم لرؤية العالم بطريقة تشبه الأطفال، إذ يصفون البروتوكولات بخيال يافع. استنتج فيشر أن هذه الطريقة في رؤية العالم ارتبطت بممانعة الوالدين للقيام بمسئولياتهم مع وجود انطباع عام بأن السعادة ستغلب.
تبيّن أن والدي الكوميديين يتجنبون الأفكار المتزنة ويحددون الصور السلبية في اختبارات رورشاخ، ثم ينكرون العناصر السلبية كأن يقولوا مثلًا: “هذا ذئب. ظننت أنه متوحش، لكن سمعت أنه ليس كذلك”. قد تدفع رؤية العالم بهذه الطريقة الطفولية مع رفض الالتزامات العائلية الكوميديين إلى تحمّل حس أكبر بالمسؤولية والشعور بالالتزام بحماية الآخرين كتعويض عن رفض والديهم غير الواعي لمسؤوليات الكبار. تبيّن أن عبء المسؤوليات هذا يثير مشاكل تتعلق بقيمة الذات تعزز تطور مفارقة المهرج الحزين.
اسم الكاتب / سجاد الفيلي
التدقيق والتحرير / سرى ناطق
المراجع:
1- The Psychology of the Sad Clown
2 – The Tears of a Clown
3 – The sad clown paradox: Why depression is becoming an ominous trend among celebrities