عن الحزن والحداد

مابين عقل الانسان و عواطفه ، غالبا ما تصيب الانسان خسارة ما ؛ تُربك حياته محدثة تعقيدًا لا حصر له ، كيف يكون شعور هذا الكائن المعقد ان حزن ؟ كيف نتعامل مع هذا الخرق النفسي , من لحظة حدوث الموقف الى اضطراب ما بعد الصدمة ؟

0

عن الحزن والحداد

 

المسألة التي تهمنا الآن هي ما إذا كان ينبغي على الحزن أن يكون عميقاً أم دائما “- سينيكا”

في زمن تسلم كاليغولا لعرش روما المرأة الرومانية مارسيا التي فقدت ابنها ذات الخمس وعشرون عاماً وغرقت في الحداد لأكثر من ثلاث أعوام قالت:

ما الفائدة من البكاء على أجزاءٍ من الحياة؟

إذ هي بأسرها تدعو للدّموع!

 

لا بد أن نتساءل بلسان الفيلسوف سينيكا الذي كان شاهدا على الحادثة أعلاه:

المسألة التي تهمنا الآن هي ما إذا كان ينبغي على الحزن أن يكون عميقا أم دائما؟

يرى الفيلسوف أن يكون هنا مفارقة بين عمق الحزن ودائميته..

  • هناك من يبكي بين حين وآخر بعد ما يبدو لنا بزحام الحياة ومع مرور الأيام أننا نسينا ما طَرَأَ على حياتنا من تغيير مُفاجئ وخسارة حقيقية، نعزي أنفسنا بعبارة لا شيء يدوم: لكن بالحقيقة أننا نستذكر ما حدث بين حين وآخر ونستحضر الموقف عينه..

هناك من الحزن ما يكفي لكي يكون عميقا لا يبدو على ملامح المرء أي حزن ولا بكاء

لم يكن هناك ردود أفعال جراء حدوث أمر ما حزين للغاية أو وفاة شخص عزيز عليك، فنحن بصدد الصدمة المزمنة لا زلنا معلقين

ولم نتحرر من صدمتنا وهذا مضر لصحة النفسية والعقلية (أي يصاب المرء باضطراب ما بعد الصدمة)

رغم القوة التي تبدو على محيانا ينتاب الفرد “كما يقول الكاتب تشارلز ويتفيلد في كتاب أنقذوا الطفل في داخلكم”

في كثير من الأحيان

الغضب والتوتر والحزن والفراغ الداخلي، عدم الرضا، تشتت، الشعور بالذنب تخدر الإحساس، عدم الشعور بشيء، تظهر هذه المشاعر وتختفي لذات الشخص ويصاحبه آلام أو أمراض جسدية أو نفسية. أرق وعدم القدرة على النوم، كلها مؤشرات أننا ندفع ثمناً عندما لا نتألم ولا نعلن الحداد بطريقة صحية كاملة.

  • فمن الضروري ألا نكابر ولا نظهر أقوياء عندما نتعرض لخسارة كبيرة، فإن الحداد بصورة صحية يقينا من كثير من الأمراض النفسية والجسدية، ان لا نؤجل الحداد، فلما نعاني من صدمة ما أو خسارة ما تهيج طاقة بداخلنا يجب أن نقوم بتفريغها، فإن لم تفرغ هذه الطاقة يتراكم الضغط النفسي ونعاني من ألم مزمن أو صدمة مزمنة.

هناك خمسة مراحل  متسلسلة للحزن والحداد وضعتها الطبيبة السويسرية إليزابيث كوبلر سُمي بنموذج كوبلر وَاعتمد من قبل المعالجين والأطباء النفسيين:

المرحلة الأولى:

الإِنكار: “أنا بخير”، “لا يمكن أن يحدث هذا، ليس لي.” الإنكار عادة ما يكون مجرد دفاع مؤقت للفرد. هذا الشعور عامة يُستبدل بالوعي الشديد بالمواقف والأفراد التي سَتُترك بعد الموت.

المرحلة الثانية:

الغضب: لِمَ أنا؟ هذا ليس عدلًا “،” كيف يحدث هذا لي؟ “،” من المَلُومُ على ذلك؟ “: ما أن يدخل الفرد المرحلة الثانية حتى يدرك أن الإنكار لا يمكن أن يستمر، بسبب الغضب الذي ينتاب الفرد يصبح من الصعب جداً رعايته لما يكنه من مشاعر ثورة وحسد.

المرحلة الثالثة:

المساومة: فقط دعني أعيش لرؤية أطفالي يكبرون.”، “سأفعل أي شيء من أجل أن تعود لي”: المرحلة الثالثة تحتوي على الأمل بأن الفرد يمكنه فعل أي شيء لتأجيل الموت أو الفقد. عادة ما تتم المفاوضة مع قوى عليا (الإله مثلاً).

المرحلة الرابعة:

الاكتئاب: “سأموت على أي حال، ما الفائدة من أي شيء سأفعله؟”، “لقد رحلت\ رحل، لماذا أستمر بعده\ بعدها؟”: يبدأ الفرد في المرحلة الرابعة في فهم حتمية الموت\ الفقد ولهذا يصبح المرء أكثر صمتاً ويرفض مقابلة الزوار ويمضي الكثير من الوقت في البكاء. تسمح هذا المرحلة للفرد بقطع نفسه عن الأشياء\ الأشخاص المحبوبة له. من غير النصوح به أن تتم محاولة إبهاج الفرد الذي يمر بهذه الحالة لأنها حالة يجب أن يمر بها ويتعامل معها.

المرحلة الخامسة:

التقبل (القبول)   “ما حدث قد حدث ويجب أن أكمل الطريق”، “لا فائدة من المقاومة، من الأفضل أن استعد لما سيأتي”: تمد المرحلة الأخيرة الفرد بشعور من السلام والتفهم للفقد الذي حدث\ القادم. عامة سيفضل الفرد في هذه المرحلة أن يُترك وحيداً، بالإضافة لذلك قد تنعدم لديه مشاعر الألم، وتعد هذه المرحلة نهاية الصراع مع الفقد.

  • ما ذكرته آنفا عن أن نعيش الحزن في لحظته أي أن نصل للقبول، لتجنب عواقب الكتمان والتظاهر بالقوة، أي أن يعيش الحالات أعلاه بحذافيرها حتى لا يتسنى للضغط النفسي أن ينال منا ويحولنا إلى مرضى جسديا ونفسيا.

تقول كوبلر:

في الواقع سوف تُفجع دائما وأبدا لن تتجاوز موت مُحِبًّا سوف تتعلم أن تتعايش مع هذه الخسارة سوف تشفى وتبني نفسك من جديدٍ لكن لن تعود أنت ولا يجب أن تتمنى ذلك.

  • سواء أكان حزنك دائم أو عميق بكلا الحالتين يجب أن نتعلم كيف نتعايش مع خساراتنا التي لا تعوض وأن نتعلم كيف نقول وداعًا وأن ندرك أن لكل شيء نهاية أن نتواصل مع الصمت بداخلنا، كل شيء قدم إلينا لكي نتعلم منه، من الجدير بالذكر أن الشخص الفاقد لأشياء حقيقية يملئه التعاطف مع الآخرين ويكون مُحب حقيقي وعميق وبسيط ومتواضع مع الآخرين، في هذه النقطة بالتحديد.

يكون لشخص رؤيته الخاصة بالحياة وحساسيته الفريدة تجاه الاشياء هو ذاته الذي عرف الخسارة والكفاح وكيفية الخروج من الازمات السحيقة التي تحدث في حياته ، ف لا بد أن يكون متميزًا حتى وان كان بحزنه وقوته الهادئة التي لا يضر بها احد.

 

الكاتب / ابراهيم سعد
التدقيق والتحرير / محمد رحيم

 

المصادر:

كتاب أنقذوا الطفل في داخلكم

تشارلز ويتفيلد

الآن دون بوتون- عداءات الفلسفة

مجلة غريبة/ قسم علم النفس وعلم الأعصاب

On Death and Dying/ Elisabeth Kubler- Ross

Leave A Reply