سَهم الزمنِ

تبرد القهوة ، وتنهار المباني ، وتتلاشى النجوم ويولد هذا ويموت ذاك ، كل شيء يحدث ولايمكن استرجاع الماضي اي أن الزمن يتجه نحو الأمام في الكون. استشهد الفلكي والفيلسوف السير آرثر إدينجتون في عام 1927 بالتشتت التدريجي للطاقة كدليل على "سهم الزمن" الذي لا رجوع فيه. ولكن ما أثار حيرة أجيال من الفيزيائيين ، أن سهم الزمن لا يبدو أنه يتبع القوانين الأساسية للفيزياء ، والتي تعمل بنفس الطريقة مع المضي قدمًا في الزمن والعكس , لنتعرف اكثر على سهم الزمن من خلال هذه المقالة !

0

سَهم الزمنِ

 

يُعبر سَهمَ الزمنِ عن حقيقة أنَّ الماضي في العالمِ مِن حولنا يختلفُ اختلافًا واضحًا عن المُسْتقبل؛ فالحليب يَنسكبُ ولكن لا ينسكبْ، تناثرُ البيضِ ولكن عدم تقشره، والأمواج تتكسر لكنها لا تنكسر، نحنُ دائمًا نتقدم في السنِ، ولا نرجع أصغر سنًا، كُلّ هذه العمليات تتحركُ في اتجاهٍ واحد من الوقت، اتجاهٌ يُطلق عليه: “لا رجوع فيه عن الوقت” ويُحدد سهم الوقت، لذلكَ من المدهش للغاية أن قوانين الطبيعة الأساسية ذات الصلة لا تميز بين الماضي والمستقبل، وهذا بدورهُ يؤدي إلى لغزٍ كبيرٍ مفادهُ إذا كانتْ قوانين الطبيعة تسمح لجميعٍ العمليات أن تُدار إلى الوراء في الوقتِ المناسب؛ فَلماذا لا نُلاحِظها تَفعلُ ذلك؟ أي لماذا يبدو مقطع الفيديو الذي يُظهر تناثر البيضِ إلى الوراء سخيفًا؟  بعبارةٍ أُخرى: كيفَ يُمكن للحركاتِ العكسية للذراتِ، والجزيئاتِ، والمُكوِنات المِجهريّة لأنظمة المواد، أنْ تؤدي إلى السلوكِ الملحوظ الذي لا رُجوع فيه عن الزمن في عالمنا اليَومي؟  يَرجَعُ حلّ هذه المفارقة الواضحة إلى ماكسويل وتومسون، – وبشكل خاص – بولتزمان، تُفسِرُ هذه الأفكار أيضًا مُعظم الأسهم الأخرى للوقتِ؛ على وجهِ الخصوصِ لماذا نتذكر المَاضِي ولَيسَ المُسْتقبَل؟

 

 

مَفْهوم الوَقْت

يُمكن القول إنَّ الوقتَ من أكثر المفاهيم بدائيةً لدينا؛ لا يمكن أن يكونَ هناك فعلٌ أو حركةٌ، ولا ذاكرةٌ أو فكرةٌ، إلا في الوقتِ المُناسب، بالطبعِ هذا لا يعني أننا نَفهم، كُلّ ما تعنيه تلكَ الكلمة المحملة (الفَهِمَ)، ماهيّة الوقت، كما وضعها القديس أوغسطينوس: “ما هو الوقت؟ إذا لم يسألني أحد؛ فأنا أعلم، ولكن إذا كنت أرغب في شرح ذلك لشخصٍ يسألني، فمن الواضح أنني لا أعرف”.

 

في كتاب بعنوان «Time’s Arrow and Archimedes ‘Point»، يصف الفيلسوف الأسترالي «Huw Price» جيدًا المناقشات الفلسفية حول الوقت، حيث لم تتغير كثيرًا منذ عهد القديس أوغسطينوس أو حتى قبل ذلك:

يَميلُ الفلاسفة إلى الانقسامِ إلى معسكرينِ فمن ناحية، هناكَ أُولئِكَ الذين يعتبرونَ مرور الوقت سمة موضوعية للواقعِ، ويفسرون اللحظة الحالية على أنها علامة أو حافة رائدة لهذا التقدم، بعض الأعضاء يعطونَ هذا المعسكر الأولوية الوجودية الحالية أيضًا، ويشاركون وجهة نظر أوغسطينوس؛ بأن الماضي والمستقبل غير واقعيين. يرى البعض الآخر أن الماضي حقيقي بطريقةٍ لا يكون المستقبل كذلك، بحيث يتكون الحاضر من شيء مثل  نشوء واقع محدد، يَعتبِر الفلاسفة في المعسكرِ المعارض الحاضر مفهومًا شخصيًا، ويزعمون غالبًا أن “الآن” تعتمد على وجهة نظر المرء بنفس الطريقة الموجودة هنا، تمامًا كما تعني كلمة “هنا”  أي تقريبًا  “هذا المكان “، لذلكَ “الآن تعني هذه المرة تقريبًا”، وفي كلتا الحالتين، يعتمد ما يتم اختياره من مفردات على مكان وقوف المتحدث، في هذا الرأي، لم يعد هناك تقسيم موضوعي للعالم إلى الماضي، والحاضر، والمستقبل، من وجود “Divi” موضوعي  سيكون منطقة من الفضاء؛ هنا وهناك، (غالبًا يسمى هذا بوجهة نظر الكون المحظور، والمقصود أنهُ يعتبر الواقع كيانًا واحدًا يَكون الوقت مكونًا له، وليس ككيانًا متغيرًا تم تعيينه في الوقت المناسب)”.

 

مَسألةٌ في الزَمَكانِ

في هذه الفقرة، يتم أخذَ الفكرة البديهية للزمكانِ كمفهومٍ بدائي غَير مٌحدد كفرضيةِ عمل، هذه السلسلة المُتصلة بالزمانِ، والمكان، هي الساحة التي تتواجدُ فيها المادة والإِشعاع وجميع أنواع المجَالات الأٌخرى، وتتغير العديد من هذه التغييرات فلها ترتيب أُحادي الاتجاه (في الوقت المناسب)، أو تعرض سهمًا للوقت، لذلك قد يتوقع المرء كما يقول فاينمان، أن هنالكَ بعض القوانين الأساسية التي تَنَص على أن “الأوكسيل يصنعون الأوتوكس فقط وليسَ العكس”.  لكننا لم نجد مثل هذا القانون؛ لذا فإِن هذه الحقيقة الواضحة لتجربتنا ليست جزءً من القوانين الأساسية للفيزياء. القوانين المجهرية الأساسية – مع بعض الاستثناءات التي يُفترض أنها ليست ذات صلة – تُبين جميعها أنها متناظرة مع الزمن، قوانين نيوتن، معادلة شرودنغر، النظرية الخاصة والعامة للنسبية، وما إلى ذلك، لا تُميز بين الماضي والمستقبل فهي “مُتناظرةٌ مع الزمنِ”، كما ذكرَ برايان جرين في كتابهِ »نسيج الكون: المكان والزمان وبنية الواقع«، “لم يكتشف أحد أي قانون أساسي يمكن أن يُسمى قانون اللبن المُنسكب أو قانون تناثرالبيضة”، وفي الخاتمةِ نحن لا نعلم ماذا يُخبأُ لنا المُسْتقبل من مُكتشفاتٍ قد تجعلنا نُعيد تشكيل كُل تصوُّراتِنا عن الكونِ، والحياة، والإِنسان.

 

الكاتبة / قباء نزار

تدقيق وتحرير / هيلين حسن

 

المصادر :-

Time’s arrow and Boltzmann’s entropy

Time’s Arrow Traced to Quantum Source

 

فيزيائيون يقولون إن سهم الزمن يمرق عبر 500 عام من الموسيقى الكلاسيكية

Leave A Reply