أدمغة الحيوانات والذكاء

إن دماغ الكائن الحي أهم وأثمن ما عنده. هو مركز الجسم الرئيسي ومدير أفعاله ومنظم فعاليته. وأي ضرر بسيط يُلحَق به، قد يُعطل عمل الجسم أو يُفقده حياته. فهو يُدير وينظم جميع أفعال وحركات الكائن الحي. ويختلف الدماغ من كائن الى آخر من حيث التركيب والعمل والحجم. وهناك قاعدة تقول; كلما كَبُر حجم الشيء كان ذلك أفضل. لكن، هل تنطبق هذه القاعدة على الدماغ؟ لنتعرف أكثر عن أدمغة الحيوانات من خلال هذا المقال.

1

أدمغة الحيوانات والذكاء

 

علاقة حجم الدماغ بذكاء الكائنات الحية

طوال القرن التاسع عشر والقرن الثامن عشر، كان الاعتقاد بأن لحجم الدماغ علاقة وثيقة وسببية مع الذكاء. فكلما زاد حجم دماغ الكائن الحي زاد ذكاءه وقدراته الإدراكية، السلوكية، المعرفية و الاجتماعية، والقدرة على التعلم والتناغم مع الطبيعة والأفراد من بني الجنس، والقيام بالأفعال المعقدة والتي تحتاج الى قوة ادراكية وحسية معقدة. والعلماء القائلين بذلك كُثر منهم” بول بروكا” (1861) عالِم وطبيب فرنسي مختص بعلم تشريح الإنسان.  “تشارلز داروين” (1871) عالِم تاريخ طبيعي بريطاني وأَحَد مؤسسي نظرية التطور.

” بول توبينارد” (1878) طبيب وعالِم انثروبولوجيا فرنسي، كان طالب للعالم بول بروكا. وغيرهم من العلماء.

أقتبسُ هنا كلام تشارلز داروين من كتاب أصل الإنسان، يقول: ” لا أحد كما أفترض، يَشُك في أن الحجم الكبير لدماغ الإنسان نسبةً الى جسده بالمقارنة مع الغوريلا، مرتبط بشكل واضح مع قواه العقلية العالية ” يتضح من هذا الكلام مدى انتشار هذه العقيدة العلمية في الأزمنة القديمة نسبياً.
إن الحجم المتوسط لدماغ الإنسان يبلغ 1350سنتيمتر2. لكن كبر الحجم لا يعني بالضرورة إنه الأفضل! لأنه تم ملاحظة أشخاص بأدمغة صغيرة نسبياً ولم يُلحظ فتور أو قصور في القدرات العقلية، والعكس مع أصحاب الأدمغة الكبيرة. إن حجم الدماغ ليس بذلك الأهمية. في الحقيقة لا تظهر أهميته بين أفراد النوع الواحد، بينما يُشَكل حجمه فرقً بين أفراد الأنواع المختلفة.

إن حجم الدماغ يزداد مع ازدياد حجم الجسم، هذا ما يُلاحظ في أغلب الأحيان. ويتضح أن هناك علاقة طردية بين الإثنين. لنأخذ مثال على ذلك; (الفيل) يمتلك جسم كبير وعينين، أُذنين، وأقدام. تكون كبيرة نسبياً. لذلك تَحتّم على الجهاز العصبي والدماغ أن يزداد حجمه تبعاً لذلك بالضرورة. لأن الجسم الكبير يحتاج الى تطور عصبي وخلايا عصبية لكي يسيطر ويُدير هذا الجسم الكبير.

في الحقيقة إن هذا الإشكال مراوغ قليلاً! لأنه يتطلب أن يتم تعريف الذكاء أولاً ودراسة الدماغ من الناحية التشريحية والوظيفية، وعلاقة أجزاؤه بالذكاء. لأنهُ قد يكون كبر حجم دماغ هذا الكائن مرتكز على الخلايا الداعمة للمخ أو المسؤولة عن الذكاء والمناطق الحسابية.. الخ. لكن لو قِيلَ أن التوصيل بين الخلايا العصبية والخلايا في أجزاء التفكير والادراك أكثر وأكبر في الدماغ، يمكن أن يكون هذا أكثر دقة.

لذلك هو موضوع مُراوغ ولم يُحسَم الكلام فيه حتى الآن .
إن الذكاء وحجم الدماغ يتأثر بعدة عوامل :
1-عدد الخلايا العصبية في كل منطقة من مناطق المخ.

2-ماهية ومدى فعالية ارتباط الخلايا مع بعضها.

3- التشابك العصبي: أَحد دراسات العلم الحديث، ومفادها ( ما مدى فعالية التواصل بين الأعصاب بعضها البعض، وما مدى سرعة نقل الإشارة العصبية) ولشرح هذه الفكرة أكثر، وما يُرجّح إنها الأكثر صحة، هو أن الأهم من حجم الدماغ هي كيفية التواصل بين الخلايا وكمية التشابكات العصبية بينها. فكلما كانت الخلايا العصبية وثيقة الترابط، منسجمة بالعمل فيما بينها، سوف يزداد النشاط الذهني والتنسيق العصبي، بالتالي سينعكس على الذكاء.   والدليل على ذلك، إنه كلما تعلم الشخص  مهارة أو شيء جديد، لا نَلحظ نمو بالحجم لدماغه كما هو متوقع أن يحصل حسب الافتراض السابق. فبدلاً من النمو في الحجم، تنمو وتتشكل تشابكات عصبية داخل المخ. بينما في الوقت نفسه يتم ترتيب تشابكات أُخرى لكي تتأقلم وتتوافق مع التشابكات العصبية الجديدة كأنما يتم ترتيبها للعمل كفريق واحد بشكل أفضل. أو كأنه يتم إضافة قسم جديد إذا اعتبرنا أو شبهّنا المخ على إنه شركة فنُضيف لها قسم جديد للتعامل أو القيام بمهام جديدة لم تكن متوفرة من ذي قبل.

أن كثافة الأعصاب والخلايا العصبية وطيات المخ تلعب عامل مهم في زيادة كثافة الدماغ، كما يتضح من حجم الدماغ الصغير ووزنه الكبير.

أحجام الأدمغة في الحيوانات المختلفة:

أولاً: الحوت

أكبر الأدمغة حجماً في جميع الكائنات الحية هو دماغ حوت العنبر. الذي يزن

8-10 كيلو غرام. والذي يعتبر رقم هائل مقارنة بدماغ الإنسان. كذلك الفرق الهائل من ناحية الذكاء بين الحوت والإنسان. فهذا دليل آخر على أن حجم الدماغ غير مرتبط بالذكاء.

ثانياً: الدلاڤين
أول ما يخطر على أذهاننا عندما نقول حيوانات ذكية هو (الدلڤين) بالمرتبة الأولى. تُعتبر الدلاڤين الأذكى في مملكة الحيوان. فهي تمتلك أدمغة كبيرة ومُعقدة سَمحت بتكوين علاقات اجتماعية معقدة -بالمعرّف الحيواني-  فضلاً عن تحديد المواقع والإبحار والتواصل. وحجم أدمغتها مقارنة بجسمها يعتبر كبير نسبياً، إذ يحتل المرتبة الثانية بعد الإنسان، وبوزن 1700 غرام. إن الدلاڤين من أكثر الحيوانات التي أظهرت تطوراً رهيباً على الصعيد السلوكي والاجتماعي. إذ إن التواصل بين الدلاڤين يُعتبر معقد جداً، ويظهر تطور كبير في التناغم والانسجام . عندما تقوم الدلاڤين بفعل الصيد، فأن أحد الدلاڤين يقوم بإثارة الوحل في الماء ثم يقوم دلڤين آخر باستدعاء الدلاڤين الأُخرى ليطوقوا الأسماك ويصيدوها. هذا التعاون والعمل كفريق يحتاج الى مهارتي تواصل وتخطيط مدروسَتين. و وزن دماغها مقارب الى وزن دماغ الإنسان. لكن الاختلاف يتضح في درجة الذكاء.

 

ثالثاً: أدمغة البشر

ال حقيقة إن أدمغة البشر تتباين فيما بينهم أيضاً. إن أدمغة الرجال في المتوسط تزن 1.3 كيلو جرام، أما النساء ففي المتوسط تزن 1.2وهذا بسبب الجينات. ولا توجد صلة واضحة بين الذكاء وحجم الدماغ

عند تحليل أدمغة أشهر الكُتاب والعلماء والمفكرين لم تظهر صلة واضحة بين الأثنين( الذكاء وحجم الدماغ). فقد سُجل وزن دماغ الكاتب والروائي الروسي “ايفان تورغينيف” 2 كيلو جرام. وهذا يُعتبر وزناً هائلاً. بينما سجل وزن دماغ العالم والفيزيائي الكبير “ألبرت اينشتين” طبقاً للمتحف الوطني الأمريكي للصحة والطب  بوزن 1.2 كيلو جرام.  وهو أقل من المتوسط.

 

خلاصة:

أن موضوع الدماغ والذكاء متعدد الأفرع. وبعض الأدلة تشير الى إنهُ هناك علاقة بين الأثنين. ومن وجه آخر هناك الكثير من الأدلة التي تُشير على عكس ذلك ولعلها الأرجح والأكثر صحة. بعد الاستدلال بالكثير من الأدلة من الحياة الطبيعية والأخذ بآراء العلماء والعلم الحديث، كانت جميعها تؤكد إن الدماغ وحجمه لا توجد بينهما تلك العلاقة الوثيقة.

ورأيي أنا في الموضوع، إن الحيوانات تمتلك أجهزة عصبية وأدمغة لكنها غير عاقلة (لا تمتلك عقلاً) إنما تمتلك أشكالاً بسيطة جداً من مناطق الإدراك والوعي واللغة، مقارنة بما يمتلكه الإنسان. فهي تتفوق عليه بالقدرات الحسية والحواس مثل الشم والتذوق وغيرها. لكن ما جعل الإنسان سيد الأرض هو “العقل”.

على الرغم من كبر أدمغة الحيوانات، إلا إن هناك جدال قائم عن ماهية العقل، لأنه ليس بشيء محسوس. لكن هذا الشيء هو الذي ميز الإنسان عن الحيوان. فما فرقنا عن الحيوانات إلا بهذا التميز، وهو “الروح”

لدينا الروح التي تميزنا عن سائر المخلوقات، والتي رزقنا الله بها.
(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ *  فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين )) {الحجر:28 29}

ولقد بانَ لي هذا المعنى بعد البحث. هذه هي النفخة الألهية التي ارتقت بالإنسان. ولكن، قد تكون العلاقة من ناحية أُخرى لم يتسنى لنا أن نطّلع عليها ونسبر أغوارها، لأن الحقيقة متعددة الأوجه كالمثلث. وقد يُخفى علينا بعض أوجهها. ولذلك يجب ألّا نتمسك برأي معين ونتشدد عليه، إنما نتقفى أثار الحقيقة والعلم، فحيثما قادتنا فهي كذلك.

اخيراً، إن موضوع الذكاء والعقل موضوع مُعقد جداً، ولا يزال الكثير منه مُبهم للإنسان. ولم تنكشف خفاياه الى الآن حتى للعلماء أنفسهم.

الكاتب / غيث ثامر
التدقيق والتحرير / فاطمة قائد

 

المصادر:

دماغ بشري

ألبرت أينشتاين – ويكيبيديا

الدلافين – ويكيبيديا

إيفان تورغينيف – ويكيبيديا

حوت العنبر – ويكيبيديا

Human brain
Brain size, head size, and intelligence  quotient in monozygotic twins  M.J. Tramo, MD; W.C. Loftus, BS; T.A. Stukel, PhD; R.L. Green, MD; J.B. Weaver, PhD; and   M.S. Gazzaniga, PhD (رسالة دكتوراة)

WHOLE BRAIN SIZE AND GENERAL MENTAL ABILITY: A REVIEW (بحث)

  1. PHILIPPE RUSHTON
  2. DAVISON ANKNEY Departments of Psychology and BiologyUniversity of Western Ontario London, Ontario, Canada

BIG BRAIN THE ORIGINS AND  FUTURE OF HUMAN (كتاب)

INTELLIGENCE GARY LYNCH  AND RICHARD GRANGER Art by Cheryl Cotman

 

1 Comment
  1. […] أدمغة الحيوانات والذكاء […]

Leave A Reply