ومن الجمال ما قتل

في عام 2008 أطلقت الكاتبة البريطانية Dawn Mellowship كتابها الشهير (الجمال السام Toxic Beauty) والذي أثار جدلاً غير مسبوق عن الآثار الصحية والبيئية لمنتجات العناية الشخصية ومستحضرات التجميل. حيث كانت أجسام الأشخاص العاديين في ذلك الوقت تمتص ما يقارب (2) كيلوغرام من كيمياويات تلك المنتجات كل عام! وفي وقت ليس ببعيد، عام( 2018) صدر الفلم الوثائقي الجريء والذي يحمل ذات الاسم (Toxic Beauty) عن المخرج Phyllis Ellis والذي أعاد موضوع أضرار الصناعة التجميلية الى الساحة مع بعض الحقائق المخيفة عن علاقتها بأمراض السرطان والخلل الهرموني وانخفاض القدرة الإنجابية والخصوبة، مع إغفال التشريعات الحكومية في السيطرة على هذه المخاطر في الولايات المتحدة. في مقالنا لليوم، سوف نُسلط الضوء على سموم مستحضرات التجميل وآثارها على البيئة.

0

ومن الجمال ما قتل

 

في العقود الأخيرة. باتت مستحضرات التجميل أكثر المشاكل البيئية إلحاحاً مقارنة بالمستحضرات الصيدلانية. لأنها تستخدم بكميات أكثر، وطوال فترة الحياة. اعتماداً على احصائيات مجموعة العمل البيئية Environmental Working Group (منظمة أمريكية مهتمة بأبحاث السموم الكيميائية) فأن الشخص البالغ يستخدم تسع منتجات للعناية الشخصية كل يوم! كذلك تم احصاء( 126) مكوناً كيميائياً في منتجات مستحضرات التجميل بما في ذلك غسول الوجه والجسم، جل الاستحمام، المنظفات، المرطبات و مزيلات العَرق ,الخ….

في عام (2014) تمت إضافة خمسة أنواع من البارابين Parabens  –مواد كيميائية تُستخدم كمواد حافظة– إلى قائمة المواد المحظورة للمفوضية الأوروبية. بسبب النشاط المُحتمل لهذه المواد والذي يُعطل الغدد الصماء، مما يتداخل مع أنظمة الجسم الهرمونية والتناسلية. وفي العام ذاته، تم تحديد استخدام مادة “التريكلوسان” الكيميائية كمادة حافظة ومضاد للبكتيريا على نسبة لا تتعدى 3.0 %. في الوقت نفسه، فإن الفثالات Phthalates  (مجموعة من المواد الكيميائية المستخدمة كمواد ملدنه في منتجات مختلفة. على سبيل المثال; المادة المُضافة لطلاء الأظافر لجعله أقل هشاشة، أو المُضافة لرذاذ الشعر لجعله أقل صلابة) تعرضت لهجوم متزايد كونها مواد مسببة لاضطراب الغدد الصماء. وفي عام( 2017) تم الاعتراف بأربعة “فثالات” على أنها من مسببات اضطرابات الغدد الصماء. وتم وضعها على قائمة المواد ذات الأهمية الشديدة، حيث لا يمكن استخدام المواد المُدرجة في هذه القائمة إلا إذا سمحت المفوضية الأوروبية بتطبيق معين.(1)

 

من جانب آخر، وبموجب قانون كاليفورنيا لمستحضرات التجميل الآمنة لعام 2005، أبلغ 595 مصنعًا لمستحضرات التجميل عن استخدام 88 مادة كيميائية مرتبطة بالسرطان أو العيوب الخلقية أو أضرار القدرة الإنجابية في أكثر من 73000 منتج منذ عام 2009. (2) ومن أهم هذه المواد هي:

-الفورمالديهايد، مادة مسرطنة معروفة.

-الميثيلين جلايكول، وهو نوع من الفورمالديهايد.

-كواتيرنيوم 15، الذي ينتج الفورمالديهايد.

-الزئبق الذي يمكن أن يتلف الكلى والجهاز العصبي.

-بارافورمالديهايد، مادة تساعد في امتصاص العرق، وهو نوع من الفورمالديهايد.

-ثنائي بيوتيل وثلاثي إيثيل هكسيل فثالات الذي يَخّل بالهرمونات ويضر بالجهاز التناسلي.

-إيزوبوتيل و إيزوبوتيل برابين، اللذان يعطلان الهرمونات و يضران بالجهاز التناسلي.

-المواد طويلة السلسلة Per / Polyfluoroalkyl المعروفة باسم PFAS، والتي لها علاقة بأمراض السرطان.

– M-phenylenediamine  و O-phenylenediamine المستخدمان في صبغات الشعر. التي تُهيج حساسية الجلد وتضر بالحمض النووي ويمكن أن تسبب السرطان.

إن تأثير بعض مكونات مواد التجميل والعناية الشخصية على جسم الإنسان  -سواء كان ذلك بسبب الاضطرابات الهرمونية التي تؤثر على القدرة الإنجابية أو كمواد مسرطنة محتملة تسبب السرطان- أصبح معروفاً بشكل كبير هذه الأيام.  كما إن للعديد منها تأثير مُقلق على البيئة الطبيعية (المياه والمحيطات والسلسلة الغذائية).

فَفي السنوات القليلة الماضية، أثارت مستحضرات التجميل والمستحضرات الصيدلانية والعديد من المنتجات الأخرى للعناية الشخصية، مخاوف كبيرة باعتبارها واحدة من أهم فئات الملوثات المتولدة والتي تُطلق باستمرار في البيئة المائية. حيث يرتبط تأثيرها البيئي الخطير بالكميات الكبيرة المستخدمة، وبكونها أحياناً ثابتة بيئياً (بطيئة التحلل) ونشطة بيولوجياً ولها القابلية على التراكم البيولوجي Bio-Accumulation.

علاوة على ذلك، فإن محطات معالجة مياه الصرف الصحي ليست فعالة دائماً في إزالة المواد الكيميائية المستخدمة في المنتجات التجميلية.

ومما يزيد من الخطورة البيئية لمستحضرات التجميل، إنها مخصصة للتطبيق الخارجي. فهي لا تخضع للتحولات الأيضية داخل جسم الإنسان، لذلك يتم طرحها دون تغيير الى البيئة وبكميات كبيرة أثناء الاغتسال والاستحمام.

 

فيما يلي، بعض المواد الكيميائية المستخدمة في مستحضرات التجميل، بما في ذلك المنتجات التي تدخل في تكوينها ومدى تأثيرها على أنظمتنا البيئية. (3)

  • P-phenylenediamine مادة كيميائية خطيرة مشتقة من قطران الفحم. توجد غالباً في أصباغ الشعر الداكنة وأحمر الشفاه. له تأثيرات سامّة طويلة المدى على النظم الإيكولوجية المائية. حيث إنه يقلل من أعداد العوالق الحيوانية ويغير سلوك الأسماك ويسبب الموت في العديد من الأنواع المائية.
  • أحد المكونات المضافة إلى المستحضرات من أجل خواص الانتشار والترطيب هو “بولي دايميثيل سيلوكسان” (PDMS).

من المعروف إنه سّام بالنسبة ليرقات محار البرنقيل، مما يعيق ديمومة مجتمعاتها في البيئة البحرية.

  • تُستخدم “البوليسيلوكسانات” أيضاً في واقيات الشمس. وهي عنصر من عناصر النظافة المناسبة لحمامات الشمس والوقاية من سرطان الجلد. ولكن بدمج هذه المادة مع Oxybenzone الواقي من الأشعة فوق البنفسجية، يُصبح أكثر قوة. وإن هذا المزج بين بعض مكونات واقي الشمس يشكل خطراً أكبر على الحياة البحرية بما في ذلك الشُعاب المرجانية. حيث تظهر الدراسات أن Oxybenzone يدمر الحمض النووي للشُعاب المرجانية، ويتداخل مع تكاثر ونمو الشُعاب المرجانية الصغيرة. هذه الأنظمة البيئية لازالت تتعرض الى 4-6 آلاف طن من مواد واقيات الشمس كل عام.

(4) تضم الشُعاب المرجانية أنظمة بيئية متنوعة توفر السوائل والغذاء للعديد من الكائنات البحرية. كما أنها تولد مليارات الدولارات السياحية للاقتصادات المحلية. فمن المهم جداً الحفاظ على دورها البيئي.

  • تعمل المواد الحافظة لمستحضرات التجميل من نوع BHA و BHT على إحدّاث تغيّرات في السلوك، وتسبب الوفاة لبعض الأسماك وأنواع من المحار. كما تسبب أيضاً طفرات جينية في البرمائيات. تُعتبر BHA و BHT من مضادات الأكسدة الاصطناعية التي توجد في أحمر الشفاه والمرطبات.

 

بعض المواد التي يجب تجنبها والتي نجدها في الشامبو وكريمات الجسم (5)

 

بعض المواد التي يجب تجنبها والتي نجدها في الشامبو وكريمات الجسم (5)

 

 

  • Dibutyl phthalate (DBP)

مادة كيميائية تُضاف إلى طلاء الأظافر لمنع الطلاء من أن يصبح هشّاً. يتم إدخال DBP في البيئة عند إزالة الطلاء والتخلص منه. يتراكم DBP في البيئة ويؤثر على مجموعة واسعة من الأنواع المائية، حيث يتسبب DBP بتغيّرات سلوكية وكيموحيوية ووراثية، وفي دورات النمو والتكاثر للأسماك. ومن المعروف أيضاً، أنه يتسبب في حدوث طفرات جينية في البرمائيات وانخفاض أعداد العوالق الحيوانية والنباتية في البيئات المائية.

  • Triclosan

مادة كيميائية مضادة للبكتيريا. تُستخدم في; المنظفات، معقمات اليدين، مُزيل العرق ومنظفات الغسيل. قادرة أيضاً على التراكم في البيئة. غالباً ما يتم غسل المنتجات التي تحتوي على (تريكلوكان)وتجد طريقها الى النُظم البيئية المائية. ثبّتَ أن التريكلوكان يغير الكيمياء الحيوية للبرمائيات والأسماك والنباتات المائية. كما أنه مرتبط بالطفرة الجينية في البرمائيات والعوالق الحيوانية والنباتية.

  • تُضاف مادة ديثانولامين(DEA) إلى كل مستحضرات التجميل ومنتجات العناية الشخصية الموجودة في السوق تقريباً. تُستخدم هذه المادة الكيميائية كمُحسِّن لدرجة الحموضة. وتوازن الخواص الحمضية للمواد الكيميائية الأُخرى في المنتج. يتراكم DEA في البيئة ويتفاعل أيضاً مع النترات لتشكيل النتروزامين. النتروزامين مادة مُسرطنة للغاية بالنسبة للإنسان والحيوان. تم ربط تلوث DEA بالتغيرات السلوكية والإنجابية والتعددية في العوالق الحيوانية والنباتية. وهي سامة قاتلة للبرمائيات والقشريات والأسماك والديدان الخيطية والديدان المفلطحة وغيرها.(6)

 

اخيراً، لا شَّك بأن منتجات التجميل  تتكون من مواد كيميائية مختلفة. لسوء الحظ، معظمها سام ولا يُتلَف في الماء. ومع ذلك، يبدو أن هناك شيئاً واحداً مؤكد، وهو أنه لا يمكننا الامتناع عن مستحضرات التجميل!  إن الكفاح والتوعية للحفاظ على البيئة لا يزالان مستمرين، لذا يمكننا أن نعمل بشكل أفضل مع اختياراتنا. لذلك عند شراء منتج تجميل، يجب احتضان العلامات التجارية الأكثر صداقة للبيئة.

 

الكاتب / كرار أكرم
التدقيق والتحرير / فاطمة قائد

 

المصادر :-

  1. CHEMICAL ATTRACTION: HOW COSMETICS CAN DAMAGE THE PLANET
  2. The Toxic Twelve Chemicals and Contaminants in Cosmetics
  3. The ‘Toxic Twenty’ Cosmetic Ingredients and Contaminants 
  4. Sunscreens Cause Coral Bleaching by Promoting Viral Infections. 
  5. Red List – Safe Cosmetics
  6. Are Cosmetics Bad For The Environment?

 

Leave A Reply