الوجودية

هل نعيش اعتباطًا بلا هدف او معنى ؟ ان كان هنالك هدفٌ فَما هو ؟ وهل للعالم معنَىً في عينه ام نحن مَن نبتدع معناه؟ كثيرٌ من هذه الاسئلة تتبادر الى أذهاننا كما تبادرت إلى أذهان من سبقونا من أصحاب المذاهب العقلية والفلسفية . نسعى في هذه المقالة إلى شرح الوجودية ببساطة وتتبع نشأتها وانتشارها.

0

الوجودية

 

في البحث عن معنى يقضي بعض الناس سنوات حياتهم، ربما يجده بعضهم في الله أو العدالة أو الجمال أو العلم أو قد لا يجده البعض الآخر أبداً.

في نظر الوجوديين من الممكن أن تعطيك جميع هذا المفاهيم المعنى الذي تبحث عنه في حين أن لا واحداً منها يعطيك إياه!

إن كنت من المهتمين بالفلسفة فلابد انك تسائلت عن الماهية التي تمثل الجوهر. حيث أكد أفلاطون وأرسطو في اليونان القديمة أنّ لكل شيء جوهر، وبإختصار هو مجموعةٌ من الخصائص الأساسية الضرورية ليكون الشيء ما هو عليه وإن غاب هذا الجوهر أو اختلف فبالتالي ستتغير ماهية الشيء، فجوهر السكين مثلا نصله وبدون هذا النصل لا يكون سكيناً، لأنّ النصل يحدد وظيفته، وعلى هذا المنوال اعتقد كل من أفلاطون وأرسطو أنّ لكلّ الأشياء جوهر بما فيهم الناس أنفسهم.

كما افترضوا أنّ ماهية الإنسان وجوهره توجد فيه حتى من قبل أن يولد. هذا الاعتقاد المعروف بالماهوية انتشر انتشاراً واسعاً حتى أواخر القرن التاسع عشر، وبالطبع مازال يوجد الكثير من رواده، لكن في أواخر ١٨٠٠ بدأ بعض المفكرين برفض فكرة اننا نمتلك جوهر أو غاية على رأسهم الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الذي تبنى إعتقاد اللامعنى المطلق للحياة.

في أواسط القرن العشرين أعاد الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر التساؤل عن الجوهر. الآن هو قلب الكفة بتساؤله ماذا لو ولدنا من دون غاية؟ ماذا لو كان الأمر يعود لنا في إيجاد جوهرنا الخاص بنا؟ وكما هو واضح هذه كانت بدايات ما يعرف الآن بالفلسفة الوجودية. حيث أن محورها الأساسي أن الوجود يسبق الماهية او كما أشرنا سابقاً الجوهر. بمعنى آخر أنّك تولد اولاً ثم تقرر من تكون، أي أنك ستبتدع جوهرك الخاص مما تقرره من الاختيارات الحياتية أي انك لا تمتلك جوهراً محضراً سابقاً ينتظرك لتولد ولا طريقاً معبداً لتتبعه.

بالتأكيد كانت هذه الفكرة مثيرة للجدل حيث أنه ولقرون عديدة آمن الناس أن جوهرها وجوهر الكون والحياة كلها اعدت لغاية من قبل الخالق. وهنا نود الإشارة إلى أنّ الوجودية لا ترادف بالضرورة الإلحاد، حيث انه يوجد عدد من الفلاسفة الوجوديين غير الملحدين إلا أنّ معظمهم يدحضون نظرية أنّ الإله خلق الكون لغاية مسبقة أو هدف، أي أنّ من الممكن أن يكون الإله موجوداً لكنه لم يبتدع جوهر الكون وبالتالي الإنسان. بمعنى آخر نحن نولد في عالم تكون فيه ذواتنا وأفعالنا تفتقر لأي أهمية فطرية وهذا ما يعرف بالعبث. لا اخفي القارئ أنني اعتدت أن أرى العبث مفهوماً غير منطقي أما الوجوديين فلديهم وجهة نظر أخرى، حيث انه يمثل بتعبيرهم وصف البحث عن إجابات لعالم يفتقر إليها.

وبين رفات الجثث المحروقة من محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية انتشرت الوجودية حيث بدأ العديد من الناس بالتخلي عن إيمانهم بفكرة العالم المنظم بظل العبثية المنتشرة.

مادام العالم لم يخلق لسبب وليس هناك غاية محددة اذا لا وجود للعدالة والنظام السماوي والقوانين وجميع السلطات كالحكومات او سلطة المجتمع والعائلة ماهي إلا سلطات مزيفة أي أننا حكم علينا أن نكون أحراراً، وبالتالي على كل منا إيجاد منهجه الأخلاقي الخاص وأن تدرك أنك سواء اتبعت منهجك الخاص او منهج شخص آخر فأنت اخترته بإرادتك ولم يوجد لك مسبقاً وهذا ليس بالأمر الهين.

وفي الختام نطرح تساؤلاً فلسفياً، حيث نفترض أنّ بلادك تخوض حرباً وأنّك ترى أنّ عليك أن تدافع عنها وتنظم إلى الجيش لتؤثر تأثيراً طفيفاً في حياة الملايين، وعلى الجانب الآخر لديك أمٌّ كبيرة في السن وتحتاج الرعاية وإن ذهبت لتخوض الحرب غالباً لن تراها مجدداً هل ستبقى لتأثر تأثيراً كبيراً في حياة شخص واحد؟ بالتجرد من المعتقدات الدينية والموروثات الاجتماعية، ماذا ستختار؟

الكاتب / نورالزهراء خليل
التدقيق والتحرير / نور علي

المصادر:

Jean-Paul Sartre

Quiddity

ماهوية – ويكيبيديا

Leave A Reply