الانفصال عن الواقع: احلام اليقظة الغير قابلة للتكيف.
إن تخيل وتصور الاحداث هي احدى الوظائف الرئيسية في الدماغ للحصول على نسخة اولية من طموحاتنا، او لاستعادة ذكرياتنا، بل حتى عند التخطيط ليومنا القادم، ولكن ماذا لو استغرقت هذه العملية ساعات طويلة من الانفصال عن الواقع؟ بل واختراع عوالم متعددة ومغامرات يعيشها المرء مستبدلًا بها واقعه؟ تعرف على احلام اليقظة الغير قابلة للتكيف من خلال هذا المقال.
الانفصال عن الواقع: احلام اليقظة الغير قابلة للتكيف.
تم وصف هذا المصطلح لأول مرة من قبل استاذ علم النفس “ايلي سومر” سنة 2002، والذي وصفه بأنه “نشاط خيالي واسع النطاق يحل محل التفاعل البشري” والذي يرمز الى استخدام الخيال بشكل مفرط واحياناً لساعات عديدة في المرة الواحدة، هي حالة متعلقة باضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب والعديد من الحالات العصبية الاخرى، ويستخدم للهروب من مشاكل الحياة، حيث يميل الاشخاص الذين يفعلون ذلك الى فقدان تركيزهم على اشغالهم اليومية البسيطة، و يعد هذا النوع من احلام اليقظة قهريًا، اذ من الصعب جداً التحكم فيه، وتعني عبارة “غير قابلة للتكيف” هي محاولة سلبية وغير صحية للتعامل مع مشكلة او التكيف معها.
تترافق هذه الحالة غالباً مع الاضطرابات التالية:
1.اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD.
2.اضطراب القلق.
3.انواع معينة من الاكتئاب.
4.اضطراب الوسواس القهري.
يمكن للعمر ان يكون عاملاً مهما في احلام اليقظة حيث تشير الابحاث انها شائعة اكثر عند الشباب والمراهقين ويمكن ان تحدث ايضاً للأطفال، ولوحظ ان البيئة المحيطة بهم لها التأثير الاكبر في تفاقم الحالة، حيث انها تعد آلية دفاع يستخدمها الاطفال الذين يعانون غالباً من الوحدة وقلة الاهتمام من المحيط الاسري وسوء المعاملة او الصدمة، وعلى الرغم من تعدد العوامل يمكن ان يصاب الشخص بأحلام اليقظة الغير قابلة للتكيف دون اي من هذه المسببات.
اعراض احلام اليقظة الغير قابلة للتكيف:
1.احلام اليقظة المعقدة، وهي الاحلام التي تحتوي على حوارات وتفاصيل اكثر بكثير من احلام اليقظة العادية.
2.احلام اليقظة التي تستمر لساعات طويلة للمرة الواحدة.
3.تعابير الوجه والحركات المتكررة، اي يمكن للأشخاص الذين يملكون هذا النوع من أحلام اليقظة أن ينفصلوا عن العالم من حولهم، ويبدأ الشخص في العيش داخل عالمه الخيالي بشكل كامل، يحرك شفتيه ووجهه، ليتفاعل مع السيناريو الذي يعيشه في دماغه.
4.احلام اليقظة تكون اختيارية مهما ازدادت شدتها، فالمصاب بها يعلم ان كل ما يراه من نسيج خياله، على عكس مرض انفصام الشخصية الذي لا يعلم صاحبه ان ما يعيشه في عقله غير حقيقي.
5.تعطيل النشاط الاجتماعي، حيث يفضل الشخص المصاب قضاء الوقت في الاحلام بدلًا من قضائه مع الآخرين.
6.تتعارض احلام اليقظة مع الهوايات والعمل والدراسة، وتعرقل وصوله الى الاهداف التي يضعها لنفسه، بالإضافة الى الشرود الذهني المستمر الناتج عن عدم تقبله لواقعه ومحيطه.
7.ويعاني بعض من المصابين بالشعور الى الحاجة الملحة لممارسة احلام اليقظة حين لا يتمكنون من ذلك، حيث ان الحاجة لها تكون مشابهة للأدمان.
8.وكأي حالة ادمان اخرى، فإن ادمان احلام اليقظة قد يؤدي عند بعض المصابين بها الى الشعور بالخزي والذنب، خاصة عندما يتعارض الامر مع اجزاء مختلفة من حياتهم وفشلهم المستمر في التحكم بها.
علاج احلام اليقظة الغير قابلة للتكيف:
ان هذه الحالة ليست اضطراباً نفسياً بشكل رسمي حتى الان، اذ ليس هنالك علاج لها، ولكن يمكن للأطباء والمعالجين الاقتراب من مساعدة المصابين بها بناء على تشابهها مع حالات اخرى.
ان العلاج الرئيسي المستخدم حاليًا هو العلاج السلوكي المعرفي، وهو احد اكثر انواع العلاج شيوعاً للمصابين بالاكتئاب والوسواس القهري واضطرابات الفصام، ويمكن لهذا العلاج مساعدة اصحاب احلام اليقظة الغير قابلة للتكيف من خلال فهم اسباب قيامهم بذلك وكيفية ادارته، ونظرًا الى ان العديد من المُصابين يعانون من مشاكل نفسية اخرى كفرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) فأن علاج الحالة المتعلقة بأحلام اليقظة قد يساعدهم بشكل كبير.
هنالك الكثير من الادوية لعلاج حالات مختلفة من الاضطرابات، وما ينفع لشخص واحد قد لا ينفع للجميع، حيث يجب على الطبيب او المعالج النظر الى تاريخ المريض والظروف المحيطة لتحديد خطة العلاج الامثل.
ومن جانب آخر، فإن احلام اليقظة المتوازنة تلعب دوراً كبيرة في تنمية مواهب الفرد وقدرته على تصور الاشياء، فحالة كهذا كانت يوماً بسبب في صنع روايات وافلام بل وحتى الاغاني واللوحات نظرًا لمخيلة اصحابها الواسعة وقدرتهم على التصور التي تفوق الاشخاص الغير مصابين، لذلك فالتحكم بهذه الحالة والسيطرة عليها قد تعود بفوائد عديدة لأصحابها، لأن احلام اليقظة هي الحالة التي تمتاز عن غيرها، بأن التخلص التام منها ليس الحل الامثل، لكن بالتحكم بها لتحويلها من نقطة ضعف الى نقطة قوة ومصدر الهام في عملهم ومواهبهم.
الكاتب | أم البنين حيدر
التدقيق والتحرير | محمد رحيم
المصادر :-
Maladaptive Daydreaming – Sleep Foundation
Maladaptive Daydreaming – Cleveland Clinic