أدب حضارة بلاد ما بين النهرين

كان لفن بلاد ما بين النهرين اشد صرامة من وادي النيل واقل دينامية وقابلية لتغيير ونستطيع ان نستدل على ذلك من قانون حمورابي. ففي الفن البابلي كان التنظيم الشكلي الصارم يرتبط باقتصاد اشد مرونة وأقرب الى الطابع الحضري

0

أدب بلاد ما بين النهرين

بعد ان قضى الانسان القسم الاعظم من حياته في اطوار التوحش، في عصور ما قبل التاريخ الذي استغرقت تقريباً 99% من حياة الانسان، دخلت البشرية في أخطر تجربة بانتقالها الى طور الحضارة الناضجة، وقد تحقق ذلك في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل في اواخر الالف الرابع ق. م كظهور الكتابة والمدن وباقي متطلبات الحضارة من اسس العلوم والمعارف وطرق الري والقوانين.. الخ وعند ذلك بدأ الانسان يفكر في الحياة الجديدة تارة ينظر نظرة موضوعية ليفيد من امكانات بيئته ويسخرها لخدمته، وتارة نظرة خيالية فيعبر عنها تعبير فني. وقد اجمع المؤرخون على ان بلاد ما بين النهرين ووادي النيل هي أقدم الحضارات لذا أطلقوا عليها الحضارات الاصلية (The original civilizations). وقد صاحب التحريات الاثرية اكتشاف الخط المسماري واستخراج علومها وآدابها مما يميز ادب بلاد ما بين النهرين مع انه موغل في القدم الا انه يتميز بالصفات الاساسية للحضارة العالمية الناضجة؛ من حيث الاسلوب والتعبير والموضوعات المختارة والصورة الفنية.

 

مصادر ادب بلاد ما بين النهرين

ان من اهم مصادر التاريخ عمومًا وموضوعنا خصوصًا، هي المصادر المادية التي تشمل اي شيء ملموس من قصور وتحف ومعابد وتماثيل والنقوش وجميع ما خلفه الانسان، واضافة الى المدونات بعد ان اهتدى الانسان الى الكتابة فدخلت الالواح والسجلات والوثائق المدونة بالخط المسماري، منها سومرية وأكدية (بابلية – اشورية) الى المصادر المادية كمصدرهم وقد تقدر الالواح المكتشفة بحوالي المليون لوح طيني1 لا تمثل الا القلة القلية من ما اكتشف في بلاد ما بين النهرين، اما الالواح التي تخص الادب فتقدر ببضعة الاف تم العثور عليها واكتشافها في مناطق متفرقة في جنوب العراق ومنطقة الشرق الاوسط.

 

الميزات والخصوصيات

الازدواج اللغوي: كان لبلاد ما بين النهرين قديمًا لغتان شائعتان هي السومرية والاكدية (بمختلف لهجاتها) وكان للغة السومرية السائدة على بقية الشعوب بسبب النفوذ السياسي من بداية التدوين الى النصف الثاني من الالف الثالث ق.م حوالي 2370 ق.م بداية تأسيس الامبراطورية الاكدية اذ بدأت اللغة السومرية بالزوال والسيطرة الادبية والسياسية للأكديين، الا ان الأكديين  استخدموا الخط المسماري المعقد الذي اكتشفوه السومريين، وتطلب الكتابة بهذا الخط المعرفة ببعض الكلمات والعبارات السومرية ونتج عن هذا اختلاط ادبي وظهور القواميس اللغوية لأول مرة في التاريخ.

الاعادة والتكرار: امتاز الادب في العراق القديم بظاهرة التكرار والاعادة في النص الادبي دون ملل، وهي ظاهرة موجود في جميع الحضارات القديمة، قد استفد منها الآثاريين في سد النصوص المنقوصة والممسوحة بفعل عوامل التعرية والزمن.

ومن الظواهر التي تسترعي الانتباه في مخلفات فكر سكان بلاد ما بين النهرين، هي نظرتهم الى الاشياء كانت تستند بالدرجة الاولى الى مبدأ القياس وعلى القليل من الاستدلال والاستنتاج، ويتجلى مبدأ القياس بالسحر وطرق الكهنة، وكان مبدأ التشبيه الذي عزوه الى الهتهم مشتق من هذا الطراز. وهناك ميزات اخرى لا يسعنا ذكرها تجنبًا للإطالة مثل الشَعر والنثر والعروض.

 

كان فن بلاد ما بين النهرين اشد صرامة من وادي النيل واقل دينامية وقابلية للتغير ونستطيع ان نستدل على ذلك من قانون حمورابي. ففي الفن البابلي كان التنظيم الشكلي الصارم يرتبط باقتصاد اشد مرونة وأقرب الى الطابع الحضري، وفي هذا الارتباط تفنيد لتلك النظرية السوسيولوجية التي هي عادة صحيحة في غير ذلك من الميادين “وأعنى بها النظرية القائلة ان الأسلوب الهندسي الدقيق يرتبط بالبيئة الزراعية المتمسكة بالتقاليد، على حين ان الطريقة المطابقة للطبيعة ترتبط باقتصاد حضري أكثر دینامية”2. وقد كان الفن والآداب تقريبًا محصور في البلاط والمعبد. وإن فن الفلاحين وانواع الفنون الثانوية كان لها دور اقل، كما ان النشاط ابعد عن الطابع الشخصي منه الى الجماعي مما كان في وادي النيل ولم يكن هناك تميز بين مصطلح الفن والصنعة اما في الفن الاشوري فيلاحظ مرحلة تطور نحو النزعة المطابقة للطبيعة مثل النحت البارز الذي يصور معركة الصيد يتميز بالروح الطبيعية المثيرة ولكن الاشكال البشرية تبقى بنفس الطريقة الصارمة وتبدو في نفس الرداء الجامد، الموشى، العتيق، وبنفس الشَعر والذقن التي كانت عليها الأشكال البشرية منذ الفي عام.

 

اما في موضوعاته الادبية فمن أشهرها:

1- الخليقة واصل الوجود.

2- ادب الملاحم.

3- قصص الطوفان.

4- اساطير عالم ما بعد الموتى.

5- ادب الحكمة.

6- ادب المفاخرة.

7- ادب السخرية والفكاهة.

8- ادب الرثاء.

9- ادب الغزل والحب

10- الصلوات والابتهالات والتراتيل.

 

اما فتراته:

I.فترة اوروك تشكلت هذه الفترة من اسم مدينة في جنوب بلاد ما بين النهرين تسمى أوروك (حوالي 4000 إلى 3100 قبل الميلاد)، وفي منتصف الألفية الرابعة تقريبًا، اخترع السومريون أول طريقة كتابة مسمارية في العالم، وجدت في معابد اوروك، يستخدمونه لنشر دينهم وثقافتهم وفنونهم إلى المناطق المجاورة (خاصة العيلامين) وكانت في بدايتها كتابة صورية رمزية ومقطعية.

II.فترة السومريين كان السومريون الذين عرفهم الشعب الصامت (بسبب عدم التكلم عن أصل نشتهم). أكبر الناس وأكثرهم استقرارًا في جنوب بلاد ما بين النهرين.

III.فترة الاكدية

لم تتحكم الإمبراطورية الأكادية بين عامي 2154 و2271 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين فحسب، بل أيضًا في أجزاء أخرى من بلاد الشام. لم يكن الأكديون من أصل سومري ولغتهم من عائلة اللغات الجزرية، ولكن في وقت مبكر من عهدهم، يمكن رؤية علامات الفن السومري في أعمالهم.

IV.الفترة البابلية: لذكر البابلي هو واحد من أروع الفنون في الحضارة القديمة. بعد سومر الجديد، جاء البابليون إلى السلطة. كان حمورابي أهم ملك بابلي، وسُنّ قوانينه ويعتبر اول شريعة متكاملة. ويعد من بين الأعمال الفنية البارزة في هذه الفترة لوح حمورابي (1700 ق.م) ونقش حجري ونقش بارز بجسمك (القرن التاسع قبل الميلاد). في قرص حمورابي في الأعلى، يطيع حمورابي إله الشمس. بالطبع للفن البابلي مثل الحضارة البابلية فترتان. في الفترة الثانية، تم بناء بوابة عشتار وهي أبرز الأعمال الفنية في العهد البابلي الجديدة او الثالثة.

V.الفترة الاشورية
تشكلت الحضارة الآشورية في نفس الوقت الذي تشكلت فيه الحضارة البابلية شمال بلاد ما بين النهرين. كانت هذه القبائل جزرية (سامية) في الأصل، وعلى عكس بابل، عاشت في منطقة ذات موارد منخفضة وانعكس هذا المزاج أيضًا في فنهم. معظم أعمالهم الفنية مصنوعة من الحجر بسبب العيش في منطقة جبلية. ازدهر الفن الآشوري بعد الهيمنة الكاملة لآشور بين الأنهار، وبمعنى أكثر قاموا ببناء القصور والمعابد الجبلية، وعادة ما تكون مواضيعهم الرئيسية هي الحياة اليومية للملك ومشاهد المعركة والصيد. في الفن الآشوري، تم نحت الحيوانات وخاصة الخيول والأسود والماعز بتفاصيل وجمال دقيق للغاية. عادة ما يتم تصوير الأطراف البشرية على أنها عنيدة ومثالية، ولكن هناك نفس التفاصيل الدقيقة على وجوههم.

 

 الكاتب / زيد كريم
التدقيق والتحرير / محمد رحيم

الهوامش:

1- طه باقر، ملحمة كلكامش، ص14-15.

2- ارنولد هاوزر الفن والمجتمع عبر التاريخ، ص63.

 

المصادر:

  • طه باقر، ملحمة كلكامش، بغداد، دار الحرية للطباعة، ط4،1980
  • طه باقر، مقدمة في الحضارات القديمة، القسم الاول، بغداد، شركة التجارة للطباعة المحدودة ط2،1955
  • طه باقر، مقدمة في ادب العراق القديم، بغداد دار الحرية للطباعة ،1976

Leave A Reply