تاريخ الرواية
نحنُ المُحبين لعالم الكتب، الذي نغرق بتفاصيلهِ ونَصِل لعالم آخر في خيالنا واندماجنا، قد نتسائل أحياناً عن فكرة بداية الروايات، أو ماهي أول رواية قد كُتِبَت؟ في هذا المقال، سنُحَلّق معاً في عالم ملؤهُ الخيال والحقائق، عن تاريخ هذا الاكتشاف، ونبدأ بالسؤال التالي: ماهي أول رواية في التاريخ؟
تاريخ الرواية
عند بحثي أنا الكاتبة، وجدتُ في حقيقة الأمرِ أن هناك أكثر من منظورٍ لهذه الحقيقة. إِحداها يقول إنها تعود للكاتبة اليابانية “موراساكي شيكيبو” تدعى حكاية جينجي(برواية أُخرى غنجي) والأُخرى تقول إنها لكاتب جزائري “لوكيوس أبوليوس” تدعى الحمار الذهبي، وأُخرى تقول إنها ملحمة كلكامش.
سنقارن بين الروايات الثلاث، وسنعرف ماهي أول رواية كُتِبَت في التاريخ.
حكاية جينجي عن ماذا تتحدث ومتى تم اكتشافها؟
كُتِبَت حكاية جينجي قبل 1000 الى 1021 عام للكاتبة موراساكي شيكيبو. وقد تم ترجمتها الى اللغة الانكليزية في عام 1925 من قِبَل الكاتبة “فيرجينيا وولف” في مجلة فوغ البريطانية.
تعد حكاية جينجي ملحمة طولها 1300 صفحة. تقول ميليسا ما كورميك -وهي استاذة الفن والثقافة اليابانية في جامعة هارفارد- إنهُ عملٌ أدبي كبير.
كانت موراساكي تكتب بأسلوب يوضّح بأَنَّ الخيال كان في أدنى درجاته. رغم هذا، تعد حكاية جينجي جولة قوة لدرجة كان لابد من أخذِها بعين الاعتبار.
تروي حكاية جينجي عن المغامرات الرومانسية والسياسية للأمير جيني المنبوذ لدى والده الامبراطور الارستقراطي في عهد هييان.
تبدو الرواية وكأنها كُتِبَت بأسلوب خاص لم يُعهَد من قبل، ولعل السبب في ذلك راجع لكون الرواية أُوجِدَت لمهمة خاصة، وهي تسلية نساء البلاط. وقد تجلت لأول مرة كل عناصر الرواية الحقيقية في هذه القصة; الأحداث المتتالية في إطار زمني، ثم الراوي الذي يشرح هذه الأحداث.
بالنسبة للكاتبة فهي روائية وشاعرة وسيدة منتظرة في البلاط الامبراطوري خلال فترة هييان. موراساكي شيكيبو هو اسم وصفي، وأن اسمها الحقيقي غير معروف، لكن حسب ما ورد في مذكرات المحكمة 1007 من الممكن أن يكون “فوجيوارا نو كاوروكو” كسيدة امبراطورية في الانتظار.
القصة الأُخرى التي وجدتُها أثناء بحثي هي (الحمار الذهبي) للكاتب الجزائري لوكيوس أبوليوس. تتحدث رواية الحمار الذهبي عن المسخ وطريقة تحويل الإنسان البشري الى حيوان! ففي القصة هذهِ تَحولَ لوكيوس الى حمار ذهبي بسبب خطأ ارتكبته حبيبته.
(الحمار الذهبي) لا تُعتَبر أول رواية مكتوبة، لكنها أول عمل كامل قد وصل إلينا; لأن الذي وصل قبلها كان ناقصاً، ومن هنا نستنج أنها ليست أول رواية في التاريخ، لذا نستبعدها.
القصة الأُخرى تقول أن ملحمة كلكامش هي أول رواية.
لكن عندما نبحث في مفاهيم الرواية، نجد أن كلكامش هي ملحمة وليست رواية، فالعلماء يصنفونها على إنها قصيدة ملحمية.
(كلكامش) هو ملك لدولة أوروك السومرية. حكم في وقت 2700 الى 2500 ق.م. تم كتابتها منذ اختراع لغة الكتابة حوالي عام 3000 ق.م، أي بمجرد تمكنهم من الكتابة.
الموجود لدينا حالياً هو ملحمة كلكامش باللغة الأكدية من قِبَل كاهن أو عام يُدعى (سين ليكي أونيني) أن كلكامش قد أَعادَ صياغتها لمدة 2000 عام، وبَقِيت حَيّةً من خلال المدارسِ الكتابية التي أُنشِأَت في العصر السومري واستمرت حتى العصر المسيحي المبكر. فهذا يعني أنها ليست رواية بل هي إعادة تشكيل قصص كلكامش القديمة.
تم اكتشافها من خلال عمليات التنقيب في مدينة نينوى العاصمة القديمة لمملكة أشور في بلاد الرافدين.
في أوائل خمسينات القرن التاسع عشر، تم العثور على قطع من الألواح الطينية المكسورة المُغَطاة بكتابات غير مألوفة مدفونة داخل أكوام عام 1857 م, وبعدها تم فك رموز اللغة السومرية المكتوبة عام 1876.
تدور ملحمة كلكامش حول ملك أوروك الاستبدادي، وهو جزء من الإنسان وجزء من الآله. يُعاني شعبه من الظلمِ والاستبداد، وبدل معاقبته من قِبَل الالهة، تقوم بخلق صديقاً له يدعى (أنكيدو) وهو رجل بَرّي يشبه الطرزان! يُصبِحان كلكامش وأنكيدو الصديقان المثاليان في الصداقة والجريمة.
يقوم أنكيدوا وكلكامش بقتل حمبابة الوحشية -وهو حارس غابة صوفية- ويحرقان أشجار الأَرُز المقدسة، ويقومان أيضاً باهانة آلهة الحُب، ويقتلان نور السماء السحري، فتقوم الآلهة بمعاقبة كلكامش من خلال القضاء على أنكيدو، يموت أنكيدو بشكل بطيء ومأساوي، فيُعاني بعدهُ كلكامش من الحزنِ، فيتخلى عن مملكتهِ، ويبقى يجول البراري بحثاً عن طريقةٍ يتغلب فيها على موتهِ على يد الآلهة، الى أن يجد النسخة السومرية من نوح، ويعلمه أن الموت لا مفرَ منه.
تُعتَبر (ملحمة كلكامش) الخيال فيها مُبالغ فيه، لكنها تدخل في اطار أصغر رواية مكتوبة.
في القصة الأخيرة التي وجدتها، تقول أن أول رواية بمفهومها الحديث تجسدت ب(دون كيخوته) لثربانتس، تُعتَبر هي المؤسسة لأدوات الرواية الحديثة، تم اكتشافها في اليونان عام 1605.
من هذا كله، نستنتج أنهُ إذا أردنا معرفة أول إلهام لكتابة الرواية في شكلها الذي نراه اليوم هي كلكامش، فلا عجبَ أن لا يكون للسومريين فضل في هذا. فكما وجدوا الكتابة، وجدوا الروايات والقصص. وعندما نريد معرفة أول رواية مكتوبة بشكل يتناسب مع الرواية التي نعرفها اليوم، فهي العمل اليوناني( دون كيخوت) لميغيل دي ثربانتس.
الكاتب | سارة ضياء
التدقيق والتحرير | فاطمة قائد الطائي
المصادر:
https://www.languagehumanities.org/what-is-the-worlds-oldest-novel.htm
https://www.quora.com/When-was-the-first-novel-published-and-what-was-its-name
https://katherineluck.medium.com/whats-the-first-novel-ever-written-48cbbac5ada0
https://www.bbc.com/culture/article/20190814-the-tale-of-genji-the-worlds-first-novel
https://westportlibrary.libguides.com/TaleofGenji