باندورا وصندوق الشر

الخير و الشر هما جانبان مقرونان بوجود الإنسان و الحياة، فنرى هناك العديد من الاساطير القديمة و القصص التي تفسر وجودهما و من ضمنها هذه الأسطورة.

0

باندورا وصندوق الشر

 

 

الخير والشر، جانبان مقرونان بالإنسان أو بالوجود. فلكل شيء جانبان; المُظلم (الشر) والمُضيء (الخير).

كل الصفات التي يقدمها الخير نصنفها إنسانياً: الحب، الوفاء، الصدق وغيرها..

فهي بديهية في نظرنا، مقرونةً بأخرى يقدمها الشر كالكره، الحسد، الظُلم، الكذب و غيرها. تلك الصفات منذ القِدم و الى الآن كان الإنسان يبني عليها تصورات واساطير عن كيفية تكوينها، ومن أين جاءت، وهل هي فطرة إنسانية أم يكتسبها الفرد من محيطه؟!

 

في اسطورة “باندورا” الذي تكلم عنها هسيود في قصيدة “الأعمال و الأيام ” و ” انسال الالهة ” ،”theogony” ،”works and days ” تكلم عن هذه الاسطورة القديمة و رمزياتها.

فقبل خَلّق الإنسان، كان هناك الآلهة فقط. حكم الإله “كرونوس” العالم، وكان من نَسلِ الجبابرة، تمرد حينها زيوس -ابن كرونوس- ضد والده فنشبت حرب بين الآلهة بقيادة زيوس و بين الجبابرة بقيادة كرونوس، وكان نتيجتها فَوز زيوس، وحُبِسَ على أثرِها جميع الجبابرة تحت الأرض باستثناء الأخوين بروميثيوس وابيمثيوس.

في الميثولوجيا الإغريقية، كان بروميثيوس يُوصَف بالخِداع و التحايل ووُصِفَ بكونه إله النار حسب الإعتقاد الشائع. أوّكل إليه زيوس خلق الإنسان  ولابيمثيوس خلق الحيوانات، فانتهى ابيمثيوس من خلق الحيوانات بكافة اشكالها، مانحاً لكل جنس منها قدرة معينة منها: السرعة، القوة، الخفة بالحركة والطيران…الخ.

و بروميثيوس الذي كان موكلاً بخلق الإنسان، لم يستطيع خلق سوى كائن ضعيف لا يميزه شيء مما يميز الحيوان! فقام بإعطائهم كافة العلوم والفنون، فأصبح حينها الإنسان متفوقاً على الحيوان بعقله و قدرته على البناء والبقاء  والابتكار.

فيكون حينها بروميثيوس قد منح الإنسان الحضارة. ولم يكتفِ بهذا، فقد عَمَد الى سرقةِ النار من جبلِ الاولمبيين – الآلهة عند الإغريق- ومنحَّها الى الإنسان فاستطاع الإنسان أن يملك القِوى العظمى، وبهذا يكون قد تفضّل كثيراً على ما خلقه ابيمثيوس.

غضب ملك الآلهة زيوس كثيراً من بروميثيوس بسبب فعلته وسرقته النار ومنحها للإنسان. ففي قصيدة “هسيود” قام زيوس بربط بروميثيوس على جبل وعاقبه بعقاب أبدي ومُتجدد; فقد أرسل عليه طائر النسر لكي يأكل كَبِده، وكان يعود(بروميثيوس) ليتكون مجدداً ويأكله أيضاً!

فكان عقاباً مستمراً.

 

أما ابيمثيوس، فأراد زيوس أن يكافئهُ، لذا أمر ابنه “هيفيستيوس” بخلقِ إمرأة! وقد كانت باندورا.

تُعتبر “باندورا” أول امرأة تُخلَق كما ورد في قصيدة هسيود.

تكاتف الآلهة عليها، فمنحوها هبّاتً تلازمها لكي تكون مجسماً أُنثوياً مقابلاً للبشر الذكور، يحوي كل تلك الصفات الأولى من نوعها.

فقد منحتها هيرا الفضول، وهير ميس الخداع، ومنحتها اثينا فن الحياكة، ومنحتها افروديت الجاذبية وغيرها كالموسيقى والإقناع.

فكانت بمثابة الهدية الى ابيمثيوس و عقاباً بالنسبة للبشر!

معنى باندورا بالإغريقية (العطاء أو الهدية)

فباندورا (المرأة الأولى) نزلت الى الأرض بمثابة مجسم جديد وفريد من نوعهِ، حاملةً معها صندوقها أو جرّة (أختلف المعنى باختلاف ترجمتها عن الإغريقية) كان هذا الصندوق قد دَسَ بهِ زيوس كل أنواع الشرور: كالحسد، الكراهية، المرض، الموت، الغرور والحروب وغيرها الكثير من صفات الجانب المظلم (الشر).

لكنه دَسَ الأملَ أيضاً، فقد كان -الأمل- مختبئً أسفلَ تلك الشرور قابِعاً تحتها.

ويُقال أيضاً، أن ابيمثيوس هو من منحها تلك الجرّة كهدية منهُ، عندما تزوجها وطلب منها عدم فتحها ولا حتى التفكير بذلك! لكن الفضول القاتل (هبّة هيرا) سيطرَ عليها فكيف لها أَلّا تخضع له!

كانت تتردد كثيراً على الصندوق و تنظر إِليه و تبتعد خوفاً من تحذيرات زوجها، ولكنها أخيراً استسلمت لفضولها تجاه الصندوق، فعمّدت الى فتحهِ وتطايرت كل الشرور المصحوبة برائحةٌ بشعة! فقد خرج الحسد و خرجت الكراهية والحروب والموت وكل صفات الجانب المظلم وتوزعت على البشر جميعاً بعد أن كانوا انقياء من كل تلك الصفات.

هرعت باندورا الخائفة التي سيطر عليها فضولها، الى غلق هذا الصندوق وحبست الأمل قبل أن يخرج وينتشر أيضاً، فبقيَ قابعاً في الصندوق.

نرى هنا أن باندورا كانت هديةً ونقماً يربطه الفضول و التمرد، فهي هدية تحمل بيديها شرور الدنيا!

فحكاية باندورا جعلت من المرأة وسيلة لحمل الشرور الى الأرض! فعندما كان سكان الأرض الرجال يعيشون و يكدحون في حياتهم بشكل بسيط خارج إطار الشر والخير، ظهرت باندورا التي تخلجت بصفات عديدة مُنحت لها من الآلهة وأبرزها “الفضول” وهي تحمل الشرور بيديها بصندوق وعمدت بيديها الى نشر كل تلك الشرور.

فالاعتقاد الذي يقول بأن المرأة هي أصل الشرور كان موجوداً حينها أيضاً. فهي التي تحمل الفضول والحسد و الاغواء كما صنفتها باقي الأساطير والأديان، فهي كالفكرة الشائعة عن حواء (المرأة الأولى بالأديان الابراهيمية) فهي من أغوّت آدم بتناول الثمرة المحرمة “باعتقادهما” فالبشر كانوا يعيشون بسلام قبل أن توجّد المرأة حسب معتقدهم!

أما الأمل الذي بقّيَ قابعاً بالصندوق على الرغم من العقاب أو الثواب الذي منحه زيوس للبشر، كان هنالك.

فهو كإشارة منه على أَن كل شر أو جانب مظلم قد يضُيء ويحل محله الخير، فالشر ليس مطلقاً ما دامَ الأمل موجود.

 

الكاتب | مريم وسام
التدقيق والتحرير | فاطمة الطائي

المصادر :-

Pandora

Prometheus

 

Leave A Reply