بابلوا نيرودا
الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا من أبرز شعراء القرن العشرين في العالم الناطق باللغة الإسبانية، وما زالت الدراسات تتوالى والاهتمام به وبإبداعاته الشعرية الفريدة والمتنوّعة يتزايد يوماً بعد يوم في مختلف أنحاء العالم على الرّغم من رحيله عن عالمنا , سنتعرف اكثر عن الشاعر الكبير بابلوا من خلال هذا المقال !
بابلوا نيرودا
(ريكاردو اليسير نيفتالي رييس باسولاتو بابلو نيرود) المعروف بـ بابلوا نيرودا شاعر تشيلي الجنسية ويعتبر من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيراً في عصره. ولد في تشيلي، بقرية بارال بوسط تشيلي في 12 يوليو عام 1904م. ووفقا للكاتب الروائي غابرييل غارثيا ماركيز: ” بابلو نيرودا من أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم”. كان ذو إتجاه شيوعي متشدد، كما يعد من أبرز النشطاء السياسين، كما كان عضوا بمجلس الشيوخ وباللجنة المركزية للحزب الشيوعي كما أنه مرشح سابق للرئاسة في بلاده. نال نيرودا العديد من الجوائز التقديرية أبرزها جائزة نوبل في الآداب عام 1971 وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أكسفورد. وكتب عنه الناقد الأدبي (هارولد بلووم):بانه “لا يمكن مقارنة أي من شعراء الغرب بهذا الشاعر الذي سبق عصره .
بدايات شعره:
بدأت إبداعاته الشعرية في الظهور قبل أن يكمل بابلو عامه الخامس عشر وتحديدا عام1917, وفي عام1920 اختار لنفسه اسما جديدا وهو بابلو نيرودا كانت قصيدة “أنشودة الحفل” هي التي عرفت عن بابلو، وقد لاقت ردود فعل جميلة وتلاها العديد من القصائد التي جعلت لبابلو مكانة هامة في عالم الشعر، وقد كان بابلو نيرودا يرتبط بصداقة الشاعر الأسباني فدريكو غارسيا لوركا، الذي جمعهم الفكر الحر البعيد عن الظلم والتسلط، وقد تأثر نيرودا عند مقتل لوركا في بداية الحرب الأهلية في أسبانيا، ومن أشهر ما كتب نيرودا “أسبانيا في القلب” في العام 1937.
في مارس عام1921 قرر السفر إلي سانتياجو حيث استقر هناك في بيت الطلبة لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية التي كان يجيدها مثل أهلها وفي نفس هذا العام اشترك نيرودا في المظاهرت الثورية التي اندلعت في البلاد آنذاك وفي عام1924 يهجر نيرودا دراسة اللغة الفرنسية ويتخصص في الأدب ويكتب ثلاثة أعمال تجريبية.
بعدها عُين نيرودا قنصلاً لبلاده في مدينة بورما في آسيا، ثم في العديد من الدول الآسيوية والأوروبية، وظلّ في تلك الفترة يكتب الشعر بغزارة مدهشة، انتهت بكونه سفيرا في الأرجنتين عام 1933م أي بعد زواجه من الهولندية الجميلة’ ماريكا’ بثلاث سنوات والتي انتهى زواجه منها بإنجاب طفلته مارفا مارينا التي ولدت في مدريد في الرابع من أكتوبر عام1934 وفي نفس العام وتحديدا بعد شهرين تزوج نيرودا من زوجته الثانية ديليا ديل كاريل الأرجنتينية الشيوعية والتي تكبره بعشرين عاما ورغم كونه قد عمل سفيرا في العديد من الدول الأوروبية إلا أن ذلك لم يزده سوي إصرارا علي أن الشيوعية- التي اندلعت شرارتها في روسيا- ليست سوي المنقذ الحقيقي والحل السحري لكل المشكلات ورغم المتاعب التي سببها له هذا الاتجاه السياسي إلا أنه ظل متمسكا به إلي حد استقالته من عمله الدبلوماسي. توفي والده عام 1938 وزوجته الأولى عام 1942 ثم يأتي عام 1968 ويمرض الكاتب بمرض يقعده عن الحركة.
-في21 أكتوبر عام1971 يفوز نيرودا بجائزة نوبل في الأدب وعندما يعود إلى تشيلي يستقبله الجميع باحتفال هائل في استاد سانتياجو ويكون علي رأس الاحتفال سلفادور الليندي الذي لقي مصرعه بعد ذلك علي يد الانقلاب الذي قاده بينوشيه كما وكان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر قد رفض الجائزة آنذاك قائلاً بأن بابلو نيرودا أحق بالفوز بها.
كان شعره منذ البداية بمثابة احتجاج على كلّ أشكال الظلم الاجتماعي والطبقي، وعلى طمس الحكومات إنسانية الإنسان . كذلك كانت كتابات وقصائد بابلو نيرودا تتمتع بالوضوح والنقد الصريح للأوضاع السياسية التي كانت تعيشها تشيلي في تلك الفترة، فمن ترجماته “لا تَخلق الثورة وأنت خارج حدود الوطن.. فالموت الثائر قد يقتل من أَحب في وطني “وكان لديه قناعات بضرورة تدريب عقل الإنسان على ما يدور من حوله من أحداث فخط نيرودا له قوة واضحة في الإقناع والدليل كذلك اعتبر نيرودا أيضاً شاعر الحب والرومانسية والأسئلة الوجودية والطبيعة، ولعل أشهر قصائده في الحب، تلك القصائد التي وجهها لزوجته المغنية التشيلية ماتيلدا التي تركت فيه وبشعره أثراً كبيرا فخاطب الريح والزهر والبحر وأوجد من الكلمات كلمات أخرى.
ومع أن نيرودا عُرف بحبه الشديد لزوجته، إلا أن حياته تميزت بطابع الترف بحفلاتها ونسائها والمقتنيات الفاخرة، وحتى أن العديد تحدثوا عن تخليه عن ابنته التي ولدت بإعاقة عقلية من زواجه الأول.
علاقة بابلوا نيرودا وعشيقته ماتيلدا:
سري، فاتن، نهائي وجارف، على هذا النحو يمكن وصف العلاقة الغرامية التي جمعت بين الشاعر التشيلي الراحل بابلو نيرودا وماتيلدي يوروتيا (1912-1985) اللذان تعارفا على بعضهما بنهاية أربعينات القرن الماضي لكن تلك العاطفة الجياشة والحب الجارف كان مقدر لها البقاء في دائرة السرية طوال سنوات وعلى الرغم من أنه لم يبق في كلماته حيزاً للشكوك مضت ثلاث سنوات اضافية كي يرى الشخص الموجهة إليه الرسالة متأبطاً ذراع الشاعر علنا، حدث ذلك عام 1955 عندما قامت ماتيلدي يوروتيا ونيرودا بترسيم علاقتهما الغرامية والإعلان عن حبهما أمام الملأ ومنذ ذلك الحين لم يفترقا أبداً بعد أن أصبحت ماتيلدي عشيقة الشاعر أولاً ومن ثم زوجته..
في نهاية الأربعينيات بدلت ماتيلدي حياة نيرودا بصورة جذرية، إذ أنها لم تبعد الشاعرعن زوجته ديليا ديل كاريل، التي كان يلقبها نيرودا تحببا بالـ (النملة الصغيرة)فحسب، وإنما منحته أيضاً قوة الدفع الرومانسية اللازمة لكتابة الشعر ,كتب نيرودا لماتيلدا ديوانه الأشهر في كلّ العالم ” مائة سوناتة حبّ ” ونقل من خلاله ملحمية هذا العشق الذي عاشه. ما يمكن أن نتفق عليه أنّ ماتيلدا لم تكن إمرأة عادية للشاعر بل كانت إمرأة الثنائيات العجيبة، إمرأة الرغبة الايروسية وامرأة الطهر المجدلي لقد سيطرت تماما على أحاسيس الشاعر وحوّاسه، فهو الهائم بصوتها وشعرها وثغرها.
-كان بابلوا نيرودا يتوفّر على ثلاثة منازل، هي “شاسكونا”، و”الجزيرة السّوداء”، (التي ليست بجزيرة كما أنها ليست سوداء)! و”لاسيباستيانا”، ولقد تحوّلت هذه المنازل جميعها إلى متاحف تٌشرف عليها مؤسّسة بابلو نيرودا التي تمّ تأسيسها عام 1986، وأصبحت اليوم تراثاً ثقافياً وطنياً لتشيلي.
في هذه الدّور كتب بابلو أجملَ قصائده، وأعدّ العديدَ من طبعات كتبه ودواوينه. ومنها ديوانه الشهير “عشرون قصيدة حبّ.. وأغنية يائسة” والذي يعتبره النقاد أشهر ديوان شعري في اللغة الإسبانية، بل إنه أكثر الدواوين انتشاراً في تاريخ هذه اللغة دون أن نضع في اعتبارنا عدد الطبعات السريّة،في عام 1960 أقيم حفل كبير بمناسبة بيع النسخة المليون من هذا الديوان الذي بلغت طبعاته في الوقت الراهن الملايين من النسخ وما زال يعاد طبعه بدون انقطاع بعد أن تمّ نقله إلى مختلف لغات العالم.
وتوفي الشاعر الحائز على جائزة نوبل عام 1973، بسبب مرض سرطان البروستات، حسبما قيل، وذلك بعد أقل من أسبوعين من حدوث انقلاب عسكري في تشيلي، بقيادة الجنرال أوغوستو بينوشيه قال خبراء في الطب الجنائي إن الشاعر التشيلي الراحل، بابلو نيرودا، لم يمت بسبب مرض السرطان، كما كان شائعا من قبل كما كان مانويل أرايا، سائق نيرودا، يصر على أن الشاعر توفي بعد حقنه بالسم من جانب عملاء بينوشيه
وكشفت تحليلات حديثة لرفات نيرودا عن أنه لم يمت بسبب السرطان، لكنها لم تكشف بعد عن السبب الحقيقي لوفاته .
-اعتبر الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا من أبرز شعراء القرن العشرين في العالم الناطق باللغة الإسبانية، وما زالت الدراسات تتوالى والاهتمام به وبإبداعاته الشعرية الفريدة والمتنوّعة يتزايد يوماً بعد يوم في مختلف أنحاء العالم على الرّغم من رحيله عن عالمنا منذ ما ينيف عن ستة عقود خلت، وما فتئت قصائده تبهر قرّاءه وتأخذ بمجامعهم، سواء في بلده تشيلي أو في إسبانيا، وفي مختلف بلدان أمريكا اللاّتينية.
( أيام بريق حيّ في عراء الأجساد:
فولاذ متحول
في صمت الأكاسيد :
ليالٍ تحللت حتى آخر ذرة طحين:
خيوط غَزلٍ مغدورة من وطن الزفاف.)
بابلوا نيرودا
الكاتب / تقى محسن
التحرير والتدقيق / ثريا جعفر
المصادر:
و كتاب النشيد الشامل لبابلوا نيرودا.