متلازمة ستوكهولم وتطبيقاتها في مجتمعاتنا

قد يُصاب البعض بالدهشة عندما يسمعون تعليقات ضحايا الإيذاء والتعذيب، من قبيل: "أدرك أنه كان يؤذيني لكني ما زلت أحبه" أو "أعرف أنه كان يعذبني لكنه يعاني من مشاكل نفسية، فقد عاش طفولة معذبة" هذه الحالة تسمى ب " متلازمة ستوكهولم " سنتعرف في مقالنا لليوم عن متلازمة ستوكهولم وتطبيقاتها في مجتمعاتنا.

0

متلازمة ستوكهولم وتطبيقاتها في مجتمعاتنا

 

معنى متلازمة ستوكهولم:

“متلازمة ستوكهولم” هي استجابة نفسية يبدأ فيها الرهينة أو المخطوف أو الضحية بالتعاطف مع خاطفيه، وكذلك مع أجندتهم ومطالبهم.

 

سبب التسمية:

أصلُ تسمية هذه المتلازمة جاءت بعد حادثة حدثت في عام (١٩٧٣) في العاصمة السويدية “ستوكهولم” حيث حدثت حالة سطو مسلح من قِبل “جان أيريك أولسون”  على بنك

( credit back ) أحد أكبر البنوك في العاصمة السويدية ستوكهولم.  واحتَجَزَ “اولسون” أربعة رهائن داخل مبنى المصرف وطلبَ من الشرطة ٧٠٠ ألف دولار وسيارة، إضافة الي إطلاق صراح صديقهُ من السجن.

بعد تلك المساومة، بَقِي “اولسون” مُحتَجِز الرهائن لمدة ستة أيام داخل المصرف. بعد أن حررت الشرطة الرهائن من أيدي الخاطفين. والشيء الغريب الذي  حدث، هو أن الرهائن رفضوا الإدلاء بشهادتهم ضد “اولسون” في المحكمة. والأغرب من ذلك هو أنهم  شرعوا في جمع الأموال للدفاع عنه!

بعد ذلك جرت مكالمة هاتفية بين أحد الرهائن ورئيس الوزراء السويدي “أولوف بالمه” وخلال المكالمة تقول إحدى الرهائن:  نحن نثق ثقة تامة بالخاطفين، ولكنها تخشى من أن تموت في حال اقتحمت الشرطة المبنى.

هذه الحادثة درسها الطبيب النفسي (نيلس بيجيروت) الباحث في علم الجريمة، لتحليل رد فعل الرهائن المحير تجاه خاطفيهم، وتفسير فكرة التلاعب بعقول الرهائن أو الضحايا أو بالأحرى غسل أدمغتهم.

 

صياغة اسم المتلازمة:

تم أطلاق التسمية من قبل “نيلس بيجرو” عالم الجريمة في ستوكهولم، والذي استخدم المصطلح لشرح رد الفعل غير المتوقع للرهائن، فعلى الرغم من احتجازهم ضد إرادتهم في وضع يهدد حياتهم فإن هؤلاء الأفراد أقاموا علاقات إيجابية مع خاطفيهم حتى أنهم ساعدوهم في دفع أتعاب محاميهم بعد القبض عليهم.

بعد عام من حادثة جان أيريك أولسون، أي بسنة (١٩٧٤) حدثت حالة إختطاف باتريشيا هيرست(  ذات ال١٤ عام)  حفيدة رجل الأعمال والناشر “ويليام راندولف هيرست” وطلبوا فدية بملايين الدولارات. بعدها انضمت باتريشيا إلى صفوف المختطفين. ولم تكد تمضي أياماً حتى شُوهِدَت تحمل سلاحاً أثناء عملية سرقة بنك، وتُلقي أوامر على رواد البنك وتحمي أعضاء الجماعة!

كان من الممكن على “باتريشيا” أن تهرب بسهولة. لكن  يُشَكل الناس ما يسمى “رابطة الصدمة” مع مضطهديهم. أي، يحدثُ اضطراب ما بعد صدمة الحدث، يكون الشخص عندها ضائعاً ومضطرباً فيبحث عن وسيلة للبقاء تحت ضغط الخوف، فأن البقاء يعتمد على حُسن نية الظالم، فإن المُعتَدَى عليه يصبح مفتوناً بالمُعتدي ومرتبطاً به.

 

ولكن يبدو أن الأشخاص المحتجزين كرهائن ليسوا وحدهم من يختبرون هذه المتلازمة. فيمكن أن تحدث في حالات أخرى. ففي مجتمعاتنا العربية أو حتى الغربية، ممكن أن تحدث هذه المتلازمة بين الأفراد في الحالات العاطفية أو الأسرية وحتى الصداقات. بما معناه ليس هناك خاطفٌ ومخطوف، لكن هناك ضحية وهناك شخص آخر يمارس سلطته.

لنأخذ مثالاً على ذلك; الأطفال والإساءة إليهم. من الممكن أن تكون الإساءة محيرة جداً بالنسبة للأطفال، فغالباً ما يُهدد المعتدون ضحاياهم ويؤذونهم جسدياً. لكن ربما يظهرون أيضاً لطفاً معين يكون تفسيره على أنه حب أو عاطفة، وربما قد ينمو الرابط العاطفي بين الطفل والمعتدي، والذي غالباً ما يحمي الطفل لفترة طويلة.

في كتاب  Traumatic Experiende and the Brain  (التجربة الصادمة والدماغ) ذكر المؤلف “ديفي زيجلر” وهو مدير برنامج علاج الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة:

“لقد لاحظت غالباً أن درجة الولاء من الطفل لأبوين مسيئين يبدو أنها تتناسب بشكل مباشر مع  خطورة الإساءة التي تلقاها الطفل. وبهذه الطريقة غير البديهية،  كلما كانت الإساءة أقوى أو أكثر تهديداً للحياة، كان ولاء الطفل أقوى الى فترة ما “

بعد كل تلك الحوادث التي حدثت تحت مسمى متلازمة ستوكهولم كتب الدكتور في علم النفس “جوزيف م. كارفر” أنهُ: ” الحالة النفسية من مواقف الرهائن أصبحت تعرف بأسم متلازمة ستوكهولم. وإن الرابط العاطفي أو الرابطة مع الخاطفين هو قصة مألوفة بعلم النفس. ويُضيف، أن الارتباط العاطفي مع المعتدي هو في الواقع استراتيجية للبقاء على قيد الحياة لضحايا سوء المعاملة والترهيب ”

 

الآن والأمر الأكثر أهمية، هو وجود المتلازمة  في العلاقات العاطفية و حتى تعاملنا مع الناس والحكم عليهم.

قد يكون هناك شخص في علاقة حب أو صداقة مع شخص ما، ولا يستطيع التمييز بينَ هل الشخص هذا مناسبٌ لنا أم لا؟

عدم التمييز هو أساس وصول المُعتدي الى صلاحية فرض سلطته علينا. نقول بأن هذا الشخص مناسب لي، أعشقهُ وأن كان ليس جيد معي و يُؤذيني.  فتتكرر الممارسات عليه الى أن تصبح (عادة) ويقبل بها الضحية. فهنا نقوم بربط متلازمة

ستوكهولم هنا.

في دراسة نُشرت في مجلة psychology today

ذَكرَ فيها الطبيب ” ليون سيلتزر” ( أنت لا تقابل الأشخاص المناسبين أبداً في الوقت الخطأ. وأن الأشخاص الذين نقابلهم في وقت خطأ هم في الحقيقة مجرد أشخاص خطأ )

يُشدد سيلتزر  على أن التوقيت مهم جداً.

أعزائي القُراء، الذي يحدث هو إجبار أنفسنا لكي نجعل الشخص الذي نحبه هو مناسب لنا (رغم كل المؤشرات التي تدل على أنه غير مناسب) لكن لو فصلنا عاطفتنا قليلاً ونتأمل بمنطقٍ خالص (رغم أنه يختفي تماماً عندما نحب شخص دون مبرر) سنجد على المدى البعيد هو غير مناسبٍ قطعاً. لكن اصرارنا عليه واندفاعنا له بكامل شغفنا، سيؤدي الى عواقب وخيمة تُأثر علينا مستقبلاً. وسيسبب لنا مخاوف من أشخاص مناسبين من الممكن جداً أن نصادفهم أو نعرفهم بفترات حياتنا بعد تلك العلاقة السامة التي كُنّا بها. وبسبب هذا الاندفاع الغير مناسب تجاه شخص غير مناسب يُعطي صلاحية ممارسة كامل سلطتهُ علينا وممكن أن تحدث اضطرابات مختلفة. بعد الصدمة التي تعرضنا لها تجعلنا نرفض أي فرصة أن نَدخل في علاقة صحية وتجعلنا نُحب الحياة بدل كُرهِها. و تُقلل من قيمتنا وكرامتنا وتُحرمنا نومنا وتضع سعادتنا تحت رحمة إنسان اخر.

 

أعمال سينمائية وأدبية:

لم تُحَيّر ظاهرة “متلازمة ستوكهولم” علماء النفس وحدهم، بل أثارت أيضاً مخيلة السينمائيين وصُنّاع الدراما التلفزيونية. لذا فقد قدمت الكثير من الأعمال السينمائية قصص نشوء علاقات عاطفية بين الجلاد والضحية فيما يعرف بمتلازمة ستوكهولم في قالب رومانسي، مثل فيلم “ستوكهولم” (Stockholm) عام 2018، الذي يتناول قصة السطو على بنك كريديت بانكين في عام 1973.

وتدور أحداث المسلسل الإسباني (La Casa de Papel)  حول عملية سطو على بنك إسبانيا، سردها أحد المشاركين فيها لعرضها من منظور الجاني لا الضحية. وجسّد المسلسل متلازمة ستوكهولم في قصة وقوع فتاة من الرهائن في غرام أحد الجناة، وإيثارها البقاء حبيسة البنك مع حبيبها على تنسم الحرية خارجه، وأطلقوا عليها اسم “ستوكهولم”.

ومن أشهر القصص الرومانسية التي تناولت متلازمة ستوكهولم، قصة “الجميلة والوحش” إذ تعاطفت الجميلة مع الوحش الذي يحبسها وآثرت البقاء حبيسة القصر على الهروب منه.

 

أن كنت تعاني من المتلازمة سواء كنت الضحية أو الجاني، وأردت أن تتخلص منها ولم تستطِع، ليس هناك داعٍ للخجل من أن تزور طبيبً نفسي.

 

الكاتب / إبراهيم سعد
التدقيق والتحرير / فاطمة قائد

 

 

المصادر:

  1. Mackenzie Phillips and the Stockholm Syndrome / by Alison Rose Levy

 

  1. Stockholm Syndrome

By James Ullrich

 

  1. A Relationship Between Anger and Stockholm Syndrome .

By Ugo Uche

 

  1. مجلة الجزيرة/ متلازمة ستوكهولم.. ما تعريفها وأعراضها وعلاجها؟ وكيف تناولها الأدب والسينما؟

 

Leave A Reply