جوزيف ميرفي وحركة الفكر الجديد

يبدو الحديث عن شخصية فارقتنا منذ أكثر من ثلاثة عقود غريبا لكن جوزيف ميرفي يبقى من أكثر كتّاب التنمية البشرية المقروئين إلى اليوم في العالم، ولا تزال ذاكرته حيّة، يحيها معجبوه ويستلهم منها الكتّاب الحديثون مؤلَّفاتهم في مجال التنمية البشريّة.

0

جوزيف ميرفي وحركة الفكر الجديد

وُلد ميرفي وتربّى في محيط كاثوليكي صارم في مدينة ديرينارد ، جنوب أيرلندا سنة 1898م، وكان والده أستاذا بمدرسة يسوعية.

بدأ جوزيف بالدراسة في ذات المدرسة بنيّة أن يصبح راهبا، ولكن فضوله الفكري دفعه في آخر سنوات مراهقته إلى أن يضع صرامة العقيدة الكاثوليكيّة موضع تساؤل، وأن يبحث عن الجديد. وكان ذلك من الأسباب التي دعته إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة. ولمّا وصل ميرفي إلى أرض العالم الجديد لم يكن بجيبه سوى خمسة دولارات ولم يكن يتكلّم إلّا القليل من الإنكليزيّة حيث أن لغته الأمّ كانت الغيليّة (الايرلندية ). تقاسم الغرفة مع صيدليّ وبدأ يشتغل كعامل يومي حسبما تجود به الأقدار، إلى أن شغر وظيفة مساعد صيدلي في المحل الذي يشتغل به صديقه. فتوسّط له هذا الأخير كي يُنتدب. وبعد التحاقه بالوظيفة، انخرط بكليّة الصيدليّة. وإثر تخرّجه، تمكّن بعد بضعة سنوات من اشتراء الصيدليّة التي كان يعمل بها، وأدارها لبضعة سنوات أخرى بنجاح.

بعد ذلك استطاع ان يكتسب الجنسية الاميركية.

الأمل أكبر طاقات الإنسان
عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية التحق جوزيف ميرفي بقوّات الجيش الأميركي كصيدلي في الغرفة الطبيّة. وقد كان في تلك الفترة يجدّد اهتمامه باللاهوت ويقرأ عن مختلف المعتقدات. وبعد انتهاء مهمته العسكرية، لم يشأ أن يستأنف حياته السابقة، فراح يجوب العالم وينتقي دروسا من جامعات مختلفة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقد انبهر ميرفي بمختلف ديانات الشرق الأقصى فسافر إلى الهند ليستفيد من تقاليدها الروحيّة العريقة، ثمّ تعمّق في دراسة الفلسفة منذ القدم. وقد التقى أثناء رحلاته بصديق عرّفه على روحانيّات الماسونيّة حيث أصبح عضوا ناشطا فيها.

وبعد عودته إلى الولايات المتحدة، اختار ميرفي أن يبلّغ كلّ ما تعلّمه إلى الناس وأن يصبح كاهنا. وابتعد مرّة أخرى عن الكاثوليكيّة وأسّس كنيسة خاصة به في منطقة لوس أنجلوس،التي كانت تنتمي إلى كنيسة العلم الإلهي وهي كنيسة تبشّر بحركة الفكر الجديد.

 

حركة الفكر الجديد

كانت حركة الفكر الجديد من بين الحركات البارزة التي ظهرت في القرن التاسع عشر لمساعدة الناس على تحقيق فهم أفضل للغموض ، من خلال قوة أفكارهم. يشير مصطلح “الفكر الجديد” إلى أن أفكار الفرد يمكن أن تفتح الأسرار لعيش حياة أفضل ، خالية من قيود العقائد الدينية.

ترتبط حركة الفكر الجديد بشكل متكرر مع بورتلاند ، مين ساعاتي و فينس باركهورست كيمبي.

اقترح الفكر الجديد مجموعة من الأفكار الفلسفية التي تركز على قوة العقل لعلاج المرض.

يعتقد كيمبي أن سبب المرض يكمن في العقل.

اذ علم أنه إذا قام أحدهم بإعادة توجيه أفكار الشخص ، فيمكن علاج المرض. تعامل كيمبي مع عدد من الأفراد الذين نشروا جوانب من تعاليمه.

وكان أشهر طالب له هي ماري بيكر إدي ، مؤسسة العلوم المسيحية ، وهي حركة دينية أخرى ظهرت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر.

في النهاية ، نأت إدي نفسها من كيمبي ، وركزت حركتها على إصلاح ما رأت أنها أخطاء داخل المسيحية. ومع ذلك ، فإن ما شاركته إيدي مع حركة الفكر الجديد كان الاعتقاد بأن علاج المرض كان مرتبطًا بقوة العقل في استعادة الصحة.

فينس باركهورست كيمبي
فينس باركهورست كيمبي

 

فينس باركهورست كيمبي (1802-1866) ، من بلفاست مين ، استمد من كل من ميسمر و سويدنبورج لتطوير طريقة علاجه الفريدة للشفاء التي تربط الطبيعة الروحية الداخلية للفرد بتعاليم المسيح في نظام

اطلق عليه اسم علوم الصحة وهي تعكس المعرفة المكتسبة من العلوم ومن الجانب الوحي للدين. باستخدام ما أسماه “الطريقة الصامتة” لإنشاء نسخ في ذهنه لأمراض المرضى ، ومن ثم تقديم تعليمات شفهية لإقناع المرضى باستخدام قدراتهم الفطرية للتغلب على أمراضهم ، بممارسة قدراتهم العقلية.

من بين مرضاه الأكثر شهرة الذين أسسوا فيما بعد ممارسات شفاء العقل الخاصة بهم ، وهم وارن فيلت إيفانز ، ويوليوس وآنيتا دريسر ، وماري بيكر باترسون (المعروفة لاحقًا باسم ماري بيكر إدي) ، مؤسسة كريستيان ساينس للعلوم.

كان القاسم المشترك الوحيد بينهم هو قوة العقل على الجسم. طغى اكتشاف هذه الحقيقة على العلامات المختلفة التي استخدموها لعلاج المرض.

 

بحلول أوائل القرن العشرين ، شهد سوق المتابعين الدينيين والعلمانيين للفكر الجديد نمواً هائلاً في مناهجهم غير التقليدية للشفاء. نظرًا لأن علامات *الكالفينية أفسحت المجال أمام الإيمان *الليبرالي بصلاح الإنسان الفطري ، فقد اكتسب مفهوم الإنسانية رؤية تضمنت اتصال العقل بالعقل ، والاقتراحات والتأكيدات المستندة إلى الكلام ، والثقة في الوحدة مع الله ، وتوسيع مفهوم العقل السليم ليشمل إنجيل جديد للنجاح والازدهار الفردي. أدى هذا التغيير إلى ظهور كلاً من الكنيسة والأدب غير المتزعزع الذي خفف من حدة النزاعات الطبقية والاضطرابات العمالية والفقر مع وعد بالراحة المادية التي كانت مجرد رغبة بعيدًا عن الإدراك.

 

– يريد ميرفي أن يقول في كتبه التي أصدرها وتدور معظمها حول استخدام القوة الخارقة في العقل الباطن لتكون عاملا للنجاح والثراء والصحة، أنه كلما زاد إيمان المرء بربه وقدرته على فعل المستحيل والمعجزات؛ كلما زادت احتماليات حصوله على الرزق الذي يبحث عنه في المال والصحة والنجاح والسعادة، وكل ما عليك هو أن تحاول مخاطبة اللاشعور في داخلك من خلال ترديد كلمات إيجابية والابتعاد عن التفكير في أي شيء سلبي.

من يقرأ لـ“ميرفي” يتوقف كثيرا عند استخدامه لكلمة “الله” وكمية الإيمان العظيم بالخالق التي تنساب من كلماته، وهو المسيحي الكاثوليكي، وربما كان ذلك لارتباطه بالكنسية منذ انتقاله من مسقط رأسه أيرلندا إلى لوس أنجلوس الأميركية، دور كبير في خلق الحالة الإيمانية التي عاشها ميرفي، ومنها استوحى أفكاره وكتب عنها، وكأنه يقول الإيمان بالله يأتي بكل شيء تريده.

كتب “ميرفي” في بداياته عن أهمية الصلاة وكيف أنها الإجابة على كل الأسئلة، وكتب عن اللحظات الهادئة مع الرب التي تجلب السعادة والرفاه، خلافا لكتبه الكثيرة عن معجزات العقل اللاواعي وقوة الإنسان الداخلية التي يستطيع بها أن يغير حياته تماما دون أن يتحدث مع أحد.

توفي ميرفي عن عمر ناهز الثلاثة وثمانون عاما عام 1981م في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الاميركية بعد ان اصدر له اكثر من ثلاثين كتابا وتولت زوجته الدكتورة جين ميرفي امور المؤسسة التي كان يديرها من بعد وفاته.

 

عقلك الباطن هو غرفتك المظلمة الكبيرة . وهو المكان السرى الذى تتطور فيه حياتك الخارجية . ولذلك فليس اسمك ،ولا طريقة ملبسك ،ولا والديك ،ولا جيرانك ،ولا السيارة التي تقودها هى ما تحدد ما تكون ومن تكون .

~ الدكتور جوزيف ميرفي

*الكالڤينيّة (والمعروفة أيضاً باللاهوت المصلح) هي مذهب مسيحي بروتستانتي يعزى تأسيسه للمصلح الفرنسي جون كالفن، وكان هذا الأخير قد وضع بين عامي 1536م و 1559م مؤلّفه (مبادئ الإيمان المسيحي) والذي يعتبره الكثيرون من أهم ما كتب في الحركة البروتستانتية.

*اللِّبرالية أو اللِّيبرالية هي فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسست على أفكار الحرية والمساواة. وتشدد الليبرالية الكلاسيكية على الحرية في حين أن المبدأ الثاني وهو المساواة يتجلى بشكل أكثر وضوحاً في الليبرالية الاجتماعية. يتبنى الليبراليون مجموعة واسعة من الآراء تبعاً لفهمهم لهذين المبدأين، ولكن يدعم الليبراليون بصفة عامة أفكاراً مثل حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحرية الدينية ، والسوق الحر، والحقوق المدنية، والمجتمعات الديمقراطية، والحكومات العلمانية ومبدأ الأممية.

 

الكاتب / تقى محسن 
التدقيق والتحرير /  عبدالله ساجد

 

المصادر:
الفكر الجديد
لماذا يجب أن تعرف عن حركة الفكر الجديد
جوزيف ميرفي..
جوزيف ميرفي الكاهن الذي ابتدع قانون الجذب الفكري

 

Leave A Reply