الشهيد شهاب الدين السهروردي

 

شهاب الدين السهروردي، نسبة الى مدينة سهرورد قرب زنجان في كُردستان الشرقية غرب ايران. يلقب بـ”المقتول” او “الشهيد” و “الاشراقي”. تمييزاً له عن شهاب الدين عمر السهروردي صاحب كتاب عوارف المعارف، وأبو النجيب السهروردي. ولد عام    1155م واسمه يحيى بن حبش بن اميرك، وهو فيلسوف صوفي ورائد الفلسفة الإشراقية. 

لم يستقر شهاب الدين في سهرورد، فبعد اشتداد ساعده، جاب البلدان والمقاطعات الإسلامية. سافر إلى مراغة وثم إلى أصفهان التي كانت تعتبر مركز الدراسات الاسلامية في ايران وقد التقى في اصفهان بتلاميذ ابن سينا وأنس صُحْبَتهم. وسافر الى الاناضول وديار بكر. اتصل بأمير خربوط – خربوط هي بلدة كُردية تقع حالياً في ولاية الازيغ في تركيا – عماد الدين وأعطاه نسخة من كتابه الألواح العمادية. وبلاد الشام وكان خاتمته في حلب التي كانت تعد من أهم المدن. وكان كلما دخل بلداً وأقام فيه، إلتقى بعلمائه وأصحاب العلم فيه يناقشهم ويخوض في جدلاتهم.

ومن اهم اساتذة السهروردي هو مجد الدين الجيلي، وهو فقيه أصولي متخصص بعلم الكلام الذي أفاد منه السهروردي في مناظراته، والتقى به في مراغة، وتتلمذ على يديه.

السهروردي هو من العلماء الذين فاق حكماء عصره في الفلسفة والتصوف. وهو ما يدل على كثرة مؤلفاته، حيث تصل إلى 50 مؤلف وهو لم يتجاوز سن السادسة والثلاثون من عمره.

“كتب السهروردي بغزارة. تم تصنيف حوالي 50 عملاً منفصلاً نُسبت إليه إلى فئتين: حسابات عقائدية وفلسفية تحتوي على تعليقات على أعمال أرسطو وأفلاطون. بالإضافة إلى مساهمته الخاصة في المدرسة الإشراقية. وأطروحات أقصر، مكتوبة بشكل عام باللغة الفارسية وذات طبيعة مقصورة على فئة معينة، تهدف إلى توضيح مسارات ورحلات الصوفي قبل أن يتمكن من تحقيق المعرفة (المعرفة الباطنية)”1.

وقد أصَّل لمدرسته هذه، من خلال إرجاعها الى بعض فلاسفة اليونان، امثال افلاطون وغيره، معتبراً أنّهم كانوا من دعاة الحكمة الذوقيّة الإشراقيّة.

امتاز السهروردي إضافة الى سعة حكمته ومعرفته بسرعة البديهة وبجرأته. وقد أشار الشيخ يزيد بن رقيقة إلى تلك الخصال، فذكر: “« أن شهاب الدين السهروردي كان يتردد إليه في أوقاته، وبينهما صداقة. وكان الشيخ فخر الدين يقول لنا: ما أذكى هذا الشاب وأفصحه، ولم أجد احداً مثله في زماني، إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه، أن يكون ذلك سبباً لتلفه.”2.

اطلع على باقي ديانات إيران في حياته، منها الزرادشتية وتأثر بها. يعتبر السهروردي جسر ربط بين الفكر الايراني القديم وما بعد الإسلام والتوفيق بينهما. ويقول هنري كوربين: “في شمال غرب إيران، نفذ السهروردي المشروع العظيم لإحياء الحكمة أو الفلسفة في إيران الزرادشتية القديمة قبل الإسلام”. وقد حاول التوفيق بين الفلسفة والتصوف. وقد أطلق على السهروردي لقب زعيم الأفلاطونيين في العالم الإسلامي. وسميت فلسفته باسم حكمة الإشراق والتي تعني إشراق الشمس وشروقها.

من أهم كتب السهروردي التي لا يسعنا ذكرها جميعاً هي حكمة الإشراق و التلويحات العرشية، وهياكل النور، وحفيف اجنحة جبرائيل، والغربة الغربية وهي رسالة يعارض فيها قصة حي بن يقظان لابن سينا. وايضاً لغات موران، و الألواح العمادية، والمطارحات.

وأما كتاب حكمة الإشراق  فهو من أهم وأبرز مؤلفاته.

“ويمكن القول على العموم إنّ أغلب لغة هذه المؤلفات رمزيّة، لا يمكن فهمها على ظاهرها دون اطلاعٍ على مدرسته واصطلاحاتها ورموزها”3.

ويعتبر كتاب حكمة الإشراق خلاصة أسس فكره وفلسفته، ويقسم الى قسمين الاول في  المنطق والثاني في الإلهيات. توصل السهروردي خلال دراسته الى أن مخلوقات العالم نشأت من النور، وأن النور يضيء بعضها على بعض، وأطلق على ذلك الإشعاع الإشعاعي المتبادل، ولهذا أطلق عليه لقب شيخ الإشراق.

كانت نظرية السهروردي الفلسفية هي أن الوجود ليس إلا نور، وأن كل شيء في العالم وهذا يأتي إلى الوجود بعد أن يكون نوراً، وبالتالي فإن العالم ليس إلا نور. وأن الظلام هو العدم.

وهو يرى أن الحكماء النورانيين نوعان.

نوع حكيم متوغل في البحث وحكيم متوغل في التأله، و إدراك الحكمة يأتي عن طريقين البحث الكثير والتوغل في التجربة الصوفية وهو يرى أن شخصه امتداد لسلسة من الحكماء المتألهين الممتدين عبر تاريخ الإنسانية ويضع فيهم زرادشت وأفلاطون و جاماسب – ونفسه -.

وهؤلاء هم الذين جمعوا بين الطريقين وبالتالي هم الارفع.

وهذه النظرية كانت واحدة من الأسباب التي أدت إلى مقتله – حيث إنها كانت خالية من ذكر الرسول محمد -.

وقد قتل في حلب حيث بعد سفره اليها أثار إعجاب حاكمها مالك الظاهر، بن صلاح الدين الأيوبي. وأصبح من خاصة اصدقائه فاغتاظ العلماء في حلب وكثر الخلاف بينهم واتهموه بالزندقة. فاضطر الملك ظاهر إلى عقد مناظر بين علماء حلب والسهروردي. خلال المناظرة سألوه سؤالاً يسمى في المنطق صيغة الاحراج بمعنى اياً كانت اجابة السؤال فهي قاتلة.

وكان نص السؤال “هل يستطيع الله أن يرسل نبياً بعد محمد”. فإن كانت إجابته بنعم فقد كفر لأن النبي محمد آخر الأنبياء، وإن قال لا فقد شكك بقدرة الله.

الا ان السهروردي احتاط لجواب وقال “ليس لقدرته شيء” فاشكروا عليه الإجابة واتهموه بالكفر. وارسلو رساله الى صلاح الدين الايوبي يخبرونه بشأن السهروردي فامر صلاح الدين بقتله، دون أن يتحقق من اقوالهم.

وكان الملك الظاهر يعزه وقد حاول تغيير الحكم لكن إصرار بعض رجال الدين وصلاح الدين ايضاً أدى الى تنفيذ الحكم. ويقال ان السهروردي بعد علمه بقرار قتله اختار طريقة موته حيث طلب أن يترك في قلعة حلب دون ماء وشراب.

الكاتب / زيد كَودرز
التدقيق والتحرير / نور علي

 

الهوامش

1- britannica، BY The Editors of Encyclopaedia Britannica

2- احمد محمود الخليل، تاريخ الكورد في العهود الاسلامية،ص349

3- شبكة المعارف الإسلامية

 

 

المصادر والمراجع

• احمد محمود الخليل، تاريخ الكورد في العهود الاسلامية- 2013، دار الساقي +دار اراس، بيروت-ص 346 ومابعدها
• عبد الفتاح راوس قلعه جي، السهروردي مؤسس الحكمة الاشراقية،- 2013، وزارة الثقافة الهيئة العامة للكتاب، دمشق- ،ص 17و19
• حلقة منشورة على قناة دريم المصرية، برنامج الاولياء، الحلقة الرابعة، يوسف زيدان، 17‏/07‏/2013 https://www.youtube.com/watch?v=ZXVHXbzznlA&list=PLLdrXXCh6ApjX6yPMnEje7SAwXQinxBiE&index=8
• يوسف زيدان، جلسة اشعار شهاب الدين السهروردي، حلقة منشورة على قناة mk Magazine على اليوتيوب، 03‏/06‏/2017 ،
• https://www.youtube.com/watch?v=jnMKtxGjfmI&t=2826s
• يوسف زيدان، نهايات شيخ الإشراق (السهروردي) ،حلقة منشورة على قناة Youssef Ziedan على اليوتيوب، تاريخ تسجيل الحلقة 25، 2006،3 عرضت بتاريخ 15‏/05‏/2012، https://www.youtube.com/watch?v=3saf-mBlGB0&t=1231s
• britannica، BY The Editors of Encyclopaedia Britannica،Jul 20, 1998، https://www.britannica.com/biography/as-Suhrawardi
• شبكة المعارف الإسلامية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، 01-11-2015
• https://www.almaaref.org/maarefdetails.php?id=14988&subcatid=1934&cid=637&supcat=61
• شهاب الدين السهروردي (ويكيبيديا فارسي +انجليزي)
• فلسفه اشراق – ویکی‌پدیا، دانشنامهٔ آزاد
• حکمت‌الاشراق ویکی‌پدیا، دانشنامهٔ آزاد